بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة تعين
على فهم كلام الله عزّ وجلّ
القاعدة:
"أنّ الشيءَ إذا أُثبت في القرآن ونُفي؛ فالمثبت غير المنفي"[1].
مثال (1):
المنفي:
نفي الهداية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ} (القصص: 56).
المثبت:
إثبات الهداية للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52).
فالمراد بالهداية
المنفية هداية التوفيق والإلهام، وهو خلق
الهدى في القلب وإيثاره، وذلك لله وحده، وهو القادر عليه.
والمراد بالهداية المثبتة
هداية البيان والإرشاد والدلالة.
فعُلم من ذلك أن هداية التوفيق
وشرح الصدر لقبول الحق هذه بيد الله وحده. لذلك في الحديث عن أمّ سلمة –رضي الله
عنها- قالت: "كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالت: قلت: يا
رسول الله ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟! قال: يا أمَّ سلمة، إنه
ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ؛ فتلا معاذ
–رضي الله عنه-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}"[2].
ويستفاد من هذا أنّ من لجأ إلى
غير الله يطلب منه حصول هداية أو صلاح قلب فإنّه قد لجأ إلى مَن لا يملك شيئًا من
ذلك. فلو كان عند النبي صلى الله عليه وسلم - الذي هو أفضل خلقه- من هداية القلوب،
وتفريج الكروب، والنجاة من العذاب، ونحو ذلك شيء لكان أحق الناس بذلك، وأولاهم به عمّه
الذي كان يحوطه ويحميه إلى أن بلّغ الوحي، وعادى قومه هو وأولاده، وقام بنصرته بالمال
والرجال، وأقر أنّ ما جاء به هو الحق، إلا أنه لم ينقد إليه، ولم يتبرأ من دين المشركين،
فظهر بذلك بطلان التعلق عليه صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن غيره- بشيء من خصائص الربِّ
جلّ وعلا[3].
مثال (2):
المنفي:
نفي الشفاعة في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا
إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} (الأنعام:
51).
المثبت:
إثبات الشفاعة في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر: 44).
فالمراد بالشفاعة المنفية:
الشفاعة التي تُطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. كـ"يا رسول الله
اشفع لي".
والمراد بالشفاعة المثبتة:
الشفاعة التي تطلب من الله، ولها شرطان:
أ) إذن الله للشافع أن يشفع، كما قال تعالى:
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة: 255).
ب) رضا الله تعالى عن المشفوع له،
كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء: 28). وإنما
يكون رضاه عن أهل التوحيد والإخلاص[4].
في ضوء ذلك إذا قال قائل: إذا
أردتُ أن يكون الملائكة والأنبياء والنبي الكريم –عليه الصلاة والسلام- شفعاء لي
يوم القيامة، فما الطريقة الصحيحة؟
الجواب: ينال ذلك:
·
أولاً
بإخلاص الدين لله تعالى. فلا يدعو إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يستغيث إلا
بالله، ولا يصرف شيئًا من العبادة إلا لله، ولا يطلب المدد والعون إلا من الله.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
"يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: لقد ظننتُ يا أبا هريرة ألا
يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوّلَ منك لما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعد الناس
بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه"[5].
·
وثانيًا
باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والسير على نهجه، والالتزام بهديه، والاقتداء
بسنّته.
·
ثم
في باب الدعاء يطلب ذلك من الله، بأن يقول مثلاً:"اللهم اجعلني ممن يشفع له
النبي صلى الله عليه وسلم" أو: "اللهم شفّع فيّ نبيك".
والفرق
بين "اللهم شفّع فيّ نبيك" وبين "يا رسول الله اشفع لي"
كالفرق بين التوحيد والشرك[6].
مثال (3):
المنفي:
نفي سلطة الشيطان على الناس في قوله تعالى -حكاية عن قول الشيطان يوم القيامة-:
{وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ
لِي} (إبراهيم: 22).
المثبت:
إثبات سلطة الشيطان على الناس في قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ
يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (النحل: 100).
فالمراد بالسلطان المنفي:
هو سلطان الحجة والدليل؛ فليس له حجة أصلاً على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم
لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي.
والمراد بالسلطان المثبت:
هو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه،
يؤُزّهم إلى المعاصي أزّا. وهم الذين سلّطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه،
ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون[7].
[1] ذكر هذه القاعدة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن
البدر –حفظهما الله- شرح كتاب التوحيد - في المدينة (عام 1433هـ). (الشريط 20). http://al-badr.net/detail/RJnNCL8rxB
[3] انظر "حاشية كتاب
التوحيد" لابن قاسم. ط5- 1424هـ ص
141 و ص145 (بتصرف). وشرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرزاق البدر. في المدينة (عام
1433هـ). (الشريط 20) . http://al-badr.net/detail/RJnNCL8rxB
[6] شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرزاق البدر. في المدينة
(عام 1433هـ). (الشريط 19) http://al-badr.net/detail/m5QP4TBDg7 (باختصار وتصرف).
[7] "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام
المنّان" لابن سعدي. تحقيق عبد الرحمن اللويحق. ط4- مؤسسة الرسالة:
بيروت، 1426هـ ص425 (بتصرف).