بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن استعمال العبد للفظة "لو" يقع على
قسمين:
أ- مذموم
ب- ومحمود:
أ- أما المذموم فـــ:
1- أن يحمله على قولها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر، وصورة ذلك أن يقع منه أو عليه أمرٌ لا
يحبّه فيقول: "لو أني فعلت كذا لكان كذا" فهذا من عمل الشيطان؛ لأنّ فيه محذورين:
أحدهما- أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن
الذي ينبغي له إغلاقه، وليس فيها نفع.
الثاني- أنّ في ذلك سوءَ أدب على الله وعلى قدره,
فإنّ الأمور كلها, والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره, وما وقع من الأمور
فلا بدّ من وقوعه, ولا يمكن رده. فكان في قوله: "لو كان كذا" أو "لو فعلت كذا كان كذا" نوع اعتراض،
ونوع ضعف إيمان بقضاء الله وقدره.
ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد
إيمان ولا توحيد إلا بتركهما.
2- كذلك إذا قالها متمنيًا للشرّ؛ فهو مذموم.
ب- وأما المحمود من ذلك فأن يحمل العبد عليها:
1- الرغبة في الخير وتمنيه، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الرجل
المتمني للخير: "لو أنّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان"[1]، وقوله: "يرحم الله
موسى، لوددنا لو صبر حتى يُقَصَّ علينا من أمرهما"[2], أي في قصته مع الخَضِر.
2- أو الإرشاد والتعليم، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو
استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما سقتُ الهدي، ولحللتُ مع الناس حين حلّوا"[3].[4].
[1] رواه الترمذي (كتاب الزهد/ ما جاء
مثل الدنيا مثل أربعة نفر/ 2325) وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني. من حديث
أبي كبشة الأنماري –رضي الله عنه-: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ثلاثة
أقسم عليهنّ، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظُلم عبد مظلمة
فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتح عبد بابَ مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر-
أو كلمة نحوها- وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: "إنّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه
الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربَّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا؛ فهذا بأفضل
المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته؛ فأجرهما
سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه
ربَّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا؛ فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه
الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالا
لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء".
[2] متفق عليه، "صحيح
البخاري" (كتاب العلم/ باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم
إلى الله/ 122)، و"صحيح مسلم" (كتاب الفضائل/ باب من فضائل الخضر عليه السلام/2380
).
[3] "صحيح البخاري" (كتاب
التمني/ باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لو استقبلت من أمري ما
استدبرت"/ 7229).