الاثنين، 2 يونيو 2014

الألفاظ الدالة على الأرض وما يتعلّق بها في لامية العرب


بسم الله الرحمن الرحيم
الألفاظ الدالة على الأرض وما يتعلّق بها في لامية العرب
ترددت في "لامية العرب" ألفاظ دالة على الأرض وما يتعلق بها. ويتمثل هذا بالألفاظ (الأرض، البَراح، التراب، التنائف، الخَرْق، الرَّمضاء، الرمل، الصَّوَّان، العَلياء، المفلَّل، القَفْر، القُنّة، الكَيْح، الأمْعَز، الهَوْجَل، اليَهْماء).
استعمل لفظة (الأرض) أربع مرّات في بيتين، جعل منها ملاذًا للإنسان الهارب من الأذى، ومكانًا لمن يعتزل الناس وهي واسعة لمن يسري فيها، واع لما يرغب فيه أو يخاف منه، حيث يقول:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل

لعمرُك ما بالأرض ضيقٌ على امرئٍ
سرى راغبًا أو راهبًا وهو يعقلُ

وتأبى نفسه أن يتطول عليه امرؤ، فيستفّ ترب الأرض لحاجته وفاقته حيث يقول:
وأستفُّ ترب الأرض كيلا يُرى له
عليّ من الطول امرؤٌ متطوّلُ
وكان كثيرًا ما يفترش الأرض حتى تعوّد على وجهها، وصار مألوفًا لديه، حيث يقول:
وآلف وجهَ الأرض عند افتراشها
بأهدأ تُنبيه سناسِنُ قُحّلُ
واستغنى عن ذكر الأرض بذكر صفة من صفاتها للدلالة عليها، ألا وهي لفظة (براح) الدالّة على الأرض الواسعة الظاهرة لا نبات فيها، ولا عمران في سياق وصفه ذئابًا تصيح في تلك الأرض الواسعة كأنها نساء ثكلى نائحات، حيث يقول:
فضجّ وضجّت بالبَراح كأنها  
وإياه نَوْحٌ فوق علياء ثُكّلُ
وأطلق صيغة الجمع (التنائف) على المفازات أو القفار في سياق وصفه الذئب النحيف الذي يبحث عن قوته في تلك القفار حيث يقول:
وأغدو على القوت الزهيد كما غدا
أزلُّ تهاداه التنائفُ أطحلُ
ومثل البراح والتنائف استعمل (الخَرْق) للدلالة على الفلاة الواسعة، وشبّهها بظهر التُّرس لاستوائها، حيث يقول:
وخَرْقٍ كظهر التُّرْس قَفْرٍ قطعتُه
بعاملتين ظهره ليس يُعمَلُ
وأمثالها (القَفْر، والهَوْجل، واليهماء) التي تلتقي معها في الدلالة على المفازة التي لا نبات بها ولا ماء، حيث يقول:
وخَرْقٍ كظهر التُّرْس قَفْرٍ قطعتُه
بعاملتين ظهره ليس يُعمَلُ
ويبدو لي أن القفر المكان الخلاء من الناس، وربما كان به كلأ قليل، كما ورد في بعض الأقوال، لأن السياق يتطلب هذا المعنى، فالشاعر يريد التأكيد على أن الأرض التي اجتازها خلاء من الناس؛ ليثبت بذلك شجاعته وقوة قلبه الذي لا يعرف الفزع.
وجمع بين (الهيماء) و(الهَوْجل) في سياق فخره بنفسه، ولا سيماء شجاعته ومقدرته على قطع المفازة التي يشق السير فيها حيث يقول:
ولستُ بمحيار الظلام إذا انتحتْ
هدى الهَوْجل العسّيف يهماءُ هوجلُ
وقد فرّق الثعالبي بين أسماء المفازة وصفاتها التي ذكرناها في الأبيات السابقة، حيث أطلق البراح على الأرض إذا اتسعت ولم يتخلّلها شجر أو ثمر، والخرق إذا كانت مع الاستواء والاتّساع بعيدة الأكناف والأطراف، والتنوفة إذا كانت مع الاتساع والاستواء والبعد لا ماء فيها، فإذا كانت مع هذه الصفات لا يُهتدى فيها لطريق فهي اليهماء، وإذا لم يكن لها أعلام ومعالم فهي الهَوْجل.
ولعلّه استعمل الرمضاء ويريد بها الأرض الرمضاء للدلالة على شدّة وقع الشمس على رمالها حين يصف يومًا من أيام طلوع كوكب الشعرى الذي يدلّ طلوعه على شدّة الحرّ حيث يقول:
ويومٍ من الشِّعرى يذوب لعابه  
أفاعيه في رمضائه تتململُ
والرمل هو تراب الصحراء، ونسب إليه البقرة الوحشية حين شبّه نفسه بها حيث يقول:
فإمّا تريني كابنة الرمل ضاحيًا
على رقّة أحفى ولا أتنعّلُ
واستعمل لفظة (الأمْعَز) الدالّة على الأرض الكثيرة الحصى، ووصفها بـ(الصّوّان) الدّالّ على الحجارة الملس في قوله:
إذا الأمْعَز الصّوّان لاقى مناسمي
تطاير منه قادحٌ ومفلَّلُ
ويبدو لي أن الشاعر أراد بـ(الأمْعَز) الأرض الحَزْنة الغليظة ذات الحجارة، كما قال بعضهم في دلالتها، والدليل هو نعته لها بلفظة (الصّوّان) وهو الحجارة الصُّلبة إذا مسّته النار، فقّعَ تفقيعًا، وتشقّق وربما كان قداحًا تُقْتَدح به النار، فلوقع أقدامه أثر كبير على تلك الحجارة التي منها يقدح، والآخر يتكسّر ويتطاير، ووردت في لامية العرب ألفاظ تدلّ على المكان المرتفع، وهي (العلياء، القُنّة، الكيح)، ويبدو لي أن الشاعر استعمل (العلياء) للدلالة على الأرض المرتفعة مع اتساع تصلح أن ينصب عليها مجلس عزاء للنساء النائحات، وعلى ما يبدو أن هذا المجلس لا يكون إلا على مكان مرتفع، حيث يقول:
فضجَّ وضجّتْ بالبَراح كأنها
وإياه نَوْحٌ فوق علياء ثُكَّلُ
واجتاز الفلاة الواسعة مشرفًا على (قُنّة) وهي الجبل السهل المستوي المنبسط على الأرض، وأرى أن هذا ما عناه الشاعر وليس أعلى الجبل كما جاء في شرح العكبري حيث يقول:
فألحقتُ أولاه بأخراه موفيًا
على قُنّة أُقْعي مرارًا وأُمْثُلُ
ويشبه نفسه بالوعل الذي يميل قرناه إلى ناحيتي ظهره، ويقصد (الكيح) وهو عرض الجبل من أعاليه، حيث يقول:
ويركدن بالآصال حولي كأنّني
من العُصْم أدفى ينتحي الكيحَ أعقَلُ
مما تقدّم يبدو أن الشاعر لم يخرج عن الصحراء، وقضى حياته متنقلاً بين قفارها الخالية من الناس، حتى صار صديقًا لحيواناتها التي كثيرًا ما تحيط به[1].

صورة من واجهة الكتاب




[1] ندى الشايع. "لامية العرب للشنفرى معجم ودراسة دلالية". ط1- مكتبة لبنان ناشرون: بيروت، 208م. ص 29 – 33 (بتصرف يسير).