الأربعاء، 30 مايو 2018

سلسلة وقفات من كتاب "الداء والدواء"


بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة وقفات من كتاب "الداء والدواء" لابن قيم الجوزية (ت751هـ) رحمه الله مع شرحه للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله

الوقفة الأولى: سبب تأليف الكتاب فيه إشارة لمعاناة أكثر النّاس في زماننا هذا، وفي بدء ابن القيم جوابه بحديث: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاءً" فتحٌ لباب الأمل والرجاء

كان تأليف الكتاب إجابةً لسؤال سائل، كما جاء في أوّل الكتاب:
"ما تقول السادة العلماء، أئمة الدين -رضي الله عنهم أجمعين - في رجل اُبْتلي ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما يزداد إلا توقدًا وشدّة، فما الحيلة في دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟ فرحم الله من أعان مبتلى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، أفتونا مأجورين رحمكم الله تعالى.
فكتب الشيخ رضي الله عنه:
الحمد لله، أما بعد: فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)).

تعليق الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله:
المراد بالبلية: أي: معصية عظيمة لله تعالى، تجذرت في قلبه، وتمكنت من نفسه، ويعرف خطورتها، لكنه يريد الخلاص، فتأبى نفسه أن تتركها.
هذه المعاناة التي أُشير إليها هي والله معاناة أكثر الناس، في زماننا هذا، خاصة الذين اُبتلوا من خلال الأجهزة الحديثة بالنظر المحرّم إلى الشهوات المحرّمة، وهذا الباب انفتح في هذا الزمان انفتاحًا لم يكن في أي زمان قبله، فأصبحت صور العري وممارسة الفواحش وأشياء من هذا القبيل تُعرض عرضًا قبيحًا فاتنًا لكثير من الخلق، وأصبح بعض الناس كما يصف نفسه مدمنًا لهذا النظر، ويعرف أن هذا النظر لم ينل منه إلا مرض قلبه وشقاء نفسه، ويعرف أنه دمار وهلاك، ويريد الخلاص من ذلك النظر لتزكو نفسه، فما استطاع، والله جلّ وعلا يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
ومثل سؤال هذا الرجل لسان حال كثير من الناس في زماننا، خاصة ما ولدته هذه الأجهزة من شرور عظيمة وفتن للناس، وتهييج للشهوات، وتحريك للرذائل والمحرمات.
وبدء ابن القيم جوابه بهذا الحديث هو من أحسن البدء وأجمله، لأنّ ذكر هذا الحديث العظيم للمبتلين بالأمراض الحسية أو الأمراض المعنوية التي هي أمراض الشهوات وغيرها، يفتح لجميع هؤلاء باب الأمل والرجاء، ويدفع عنهم سوء الظن واعتقاد عدم الخلاص.
بعض المرضى يظنُّ أن داءه لا دواء له، وأن مرضه لا علاج له، وأحيانًا يُحكم على بعض الأمراض طبيًا بأنه لا علاج لها، وينزل الله لها شفاء، وحصل من هذا قصص كثيرة.
قال: "وهذا –أي: الحديث: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء))- يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها".
في الحديث –وهو في الصحيح-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ - يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ - رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ".
ذَكَر الدّاء والدّواء.
ويأتي هذا كثيرًا في نصوص الكتاب والسنّة، أن يُذكر الداء والدواء. ولهذا قال قتادة: "هذا القرآن فيه ذكر دائكم ودوائكم، أمّا داؤكم فالذنوب، وأما دوائكم فالاستغفار".


 لتحميل كتاب الداء والدواء
سلسلة الدروس  http://www.al-badr.net/sub/376/?q=&page=