الأحد، 12 أكتوبر 2014

تشبيهات بليغة من سورة النبأ

قال الله -جلّ وعلا-:
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}.

ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة عدّةَ تشبيهاتٍ بليغة، دلّت على إعجاز القرآن الكريم، وسعة بيانه، وذلك في وصفه:

*الأرض: بأنها مِهادٌ، والمهادُ هو الفراش الممهَّد الموطَّأ، وهو تشبيه للأرض به؛ إذ جعل سطحها ميسّرًا للجلوسِ عليها والاضطجاع، وبالأحرى المشي، ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، وليست باللينة الرّخوة التي لا ينتفعون بها، ولا يستقرون عليها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم، وعلى حسب ما ينتفعون به. وذلك دليل على إبداع الخلق، والتيسير على النّاس.

*والجبال: وصفها بأنها أوتادٌ للأرض، والوتد هو عودٌ غليظٌ شيئًا، أسفله أدقّ من أعلاه، يُدقّ في الأرض لتُشدّ به أطنابُ الخيمة، فهذه الجبال للأرض بمنزلة الوَتَدِ للخَيمة؛ حيث يثبتّها فتَثْبُتُ به، وهي أيضًا ثابتة. قال علماء الأرض: إنّ هذه الجبال لها جذورٌ راسخة في الأرض، كما يَرسخ جذرُ الوَتَدِ بالجدار، أو وتدِ الخيمة في الأرض.

*والليل: وصفه بأنه بمنزلة اللباس، كأنّ الأرض تلبسه ويكون جلبابًا لها. ويجوز أن يكون وجه الشبه هو التغشية. وتحته ثلاثة معان:
أحدها- أنّ الليلَ ساترٌ للإنسان كما يستره اللباس، فالإنسانُ في الليل يختلي بشؤونه التي لا يرتكبها في النّهار؛ لأنه لا يحبُّ أن تراها الأبصار.
الثاني- المشابهة في الرِّفق باللابس والملاءمة لراحته، فلما كان الليل راحة للإنسان وكان محيطًا بجميع حواسّه وأعصابه شُبّه باللباس في ذلك.
الثالث- الوقاية، فالليل يقي الإنسان من الأخطار والاعتداء عليه، فكان العرب لا يُغيرُ بعضُهم على بعض في الليل، وإنما تقع الغارة صباحًا ولذلك إذا غِير عليهم يصرخ الرّجل بقومه بقوله: يا صباحاه.
*
*والسّحاب: وصفها بأنها معصرات، كأنما تعصر هذا المطر عند نزولهه عصرًا، كما يُعصر الثوب، فإنّ هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور.

وهذه الآيات العظيمة استدلال على وحدانية الله سبحانه بانفراده بالخلق، وعلى إمكان إعادة الأجساد للبعث بعد البِلى بأنها لا تبلغ مبلغَ إيجادِ المخلوقات العظيمة.
وهو استدلال يتضمنُ امتنانًا، والغرضُ من الامتنان تذكيرُ منكري البعث بفضل الله لعلّهم أن يرعوا عن المكابرة، ويقلبوا على النظر فيما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغًا عن الله تعالى[1].





[1] انظر "التحرير والتنوير" للمحمد الطاهر ابن عاشور. دار سحنون: تونس (12/ 13، 14، 20، 12)، و"تفسير القرآن الكريم" للشيخ ابن عثيمين. ط3- دار الثريا، مؤسسة الرسالة: بيروت، ص22، 23.