تعريف العُجْب:
هو رؤية النفس والزهو. يرى نفسه إما في صورته أو في هيئته أو في
ممتلكاته أو في علمه أو في غير ذلك من أموره.
الفرق بين العُجْبِ والكِبْر:
-العجب بوابة الكبر وسبب من الأسباب التي تفضي بالإنسان إلى الكبر.
-والكبر يستدعي وجود متكبر عليه، بخلاف العجب فإنه مقصور على الانفراد.
خطورة العُجب:
1- قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ
عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} (المعارج: 27).
هذا ذكره الله -عزّ وجلّ- في سياق أوصاف المؤمنين الكُمّل الذين منّ
الله عليهم بكمال الإيمان، ومع هذا الكمال في الإيمان هم مشفقون من عذاب الله،
ويرون أنفسَهم مقصرين في جنب الله، وفي حق الله سبحانه وتعالى. على العكس من الشخص
المعجَب بنفسه، فإنه يكون مقصرًا في جنب الله مفرطًا لكنه مغتر بهذا العجب الذي
أصاب قلبه، فلا يكون من أهل هذا الوصف، ولهذا قال الحسن: "إن المؤمن جمع بين
إحسان ومخافة، والمنافق جمع بين إساءة وأمن".
2- روي عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: "الهلاك في
اثنتين: القنوط والعجب".
أي القنوط من رحمة الله، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (الحجر: 56)،
فالقنوط من رحمة الله من موجبات الهلاك. والعجب أي بالنفس أيضًا من موجبات الهلاك.
ومعلوم أن موجبات الهلاك كثيرة، لكن لماذا خصّ هاتين الاثنتين؟
قال أهل العلم: القانط لا يطلب السعادة؛ لأن القنوط الذي عنده سيطر
عليه وأوقفه عن العمل في طلب السعادة، فيكون هذا موجبًا لهلاكه.
والمعجب بنفسه أيضًا لا يعمل على طلب السعادة؛ لظنه أنه نالها، وأنّ
أمور السعادة كلها متوفرة فيه، وأنه لا أحسن منه، فلا يعمل على طلب السعادة؛
فيهلك.
يقول الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله-:
والعُجْبَ فاحذرْه
إنّ العُجْبَ مجترِفٌ
|
أعمالَ صاحبِهِ في
سَيْلِهِ العَرِمِ
|
مَثَّلَ العجبَ بالسَّيل الجارف. ولهذا العجب من أخطر ما يكون على
الأعمال؛ لأنه يجترف الأعمال. مثلما أنّ القنوط يوقف الأعمال عند القانط فالعجب
أيضًا يجترف الأعمال.
من مسبِّبات العُجْب:
1- الثناء والمبالغة في المدح
عن أبي بكرة –رضي الله عنه- أن رجلاً ذُكر
عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيرًا فقال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: "ويحك، قطعت عنق صاحبك" ردده مرارًا. ثم قال: "إن كان أحدكم
مادحًا لا محالة فليقل: أحسبه كذا وكذا -إن كان يرى أنه كذلك- وحسيبه الله، ولا
أزكي على الله أحدًا" رواه البخاري ومسلم.
دلّ الحديث على أنّ من أعظم أسباب العجب وموجباته الثناء.
قد يحفظ الإنسان يعني مثلاً قليلاً من النصوص أو يقرأ قليلاً من
الكتب ثم يسمع بعض الناس يبالغون في مدحه؛ فيسيطر عليه العجب ويظن أنه من أعلم
الناس وأنه من أفقه الناس.
أو مثلاً كثير من الطلاب يُهلكون مشايخَهم، يكون طالبًا مبتدئًا،
ويرى الشيخ مثلاً يعيد إعدادًا جيدًا ويأتي ويلقي إلقاءً جيدًا فيقول: هذا ابن
تيمية، وهذا ابن قيم زمانه، ويسمع هذه الكلمات تقال عنه، أنه ابن تيمية وأنه ابن
عثيمين وأنه كذا، فيغتر، مهلكة الثناء والمدح هذا مهلكة لطالب العلم، مهلكة له،
كثير من المبتدئين يهلكهم هذا المدح، ويجعله يصاب بشيء من الغرور. ولهذا جاء في
الحديث الآخر: "المدح الذبح".
ثم قال: "إن كان أحدكم مادحًا لا محالة فليقل:
أحسبه كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك".
ما يأتي بمثل هذا الثناء العريض الواسع المبالغ فيه، إذا كان ولا بد
مادحًا يقول: أحسبه كذا وكذا.
"كذا وكذا" يذكر الأوصاف التي يظن أنها موجودة فيه، يقول:
أحسبه من أهل الصدق، أحسبه من أهل الوفاء، أحسبه من أهل العلم، أحسبه من أهل
الديانة والنصح.
"إن كان يرى أنه كذلك" أيضًا بهذا
القيد، أما إذا كان لا يرى أنه كذلك أيضًا لا يجوز أن
يقول: أحسبه كذلك.
قال: "وحسيبه الله، ولا أزكي على الله أحدًا" وهذه كلمة فيه اتزان
وتوسط واعتدال.
فإذا كان ولا بد من الثناء فليكن بهذه الطريقة.
2- التصدّر للوعظ والتذكير
لأحمد بسند جيد عن الحارث بن معاوية أنه قال لعمر -رضي الله عنه-:
إنهم كانوا يراودونني على القَصَص، فقال: أخشى أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم
تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم في منزلة الثريا، فيضعك الله -عزّ وجلّ- تحت
أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك".
قال: "ولأحمد بسند جيد عن الحارث بن معاوية أنه قال لعمر
-رضي الله عنه-: إنهم كانوا يراودونني على القصص"
وهذا مدخل من مداخل العجب، ينبه عليه عمر رضي الله عنه، عندما يتصدر
الإنسان للوعظ والتذكير والخطابة ويرى مثلاً الناس يتأثرون، فيقول: إذا كان أنا
أثّرت فيهم هذا التأثير إذًا أنا أحسن منهم، إذا كنت تسببتُ في بكائهم وفي هدايتهم
إلخ، إذًا أنا أفضل منهم، فيبدأ يدخل إليه العجب، ثم مع المرة تلو الأخرى حتى يهلك
-والعياذ بالله- يقول: أين هؤلاء وأنا؟ كل الشيء الذي حصل عندهم من إيمان وهداية
أنا الذي، وأنا الذي وأنا الذي، حتى يهلك والعياذ بالله.
إذًا الخطابة والوعظ أيضًا باب من أبواب العجب، ويحتاج الإنسان إلى
معالجة لنفسه في هذا الباب، وإلا يهلك، وتكون مصيبته عظيمة، الناس تهتدي على يديه
وتستفيد وتستقيم وتصلح أحوالهم وهو في هلاك.
ومن عظيم الدعاء، وأثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو لأحد
التابعين، قال: "اللهم لا تجعلني لغيري عبرة، ولا تجعل غيري أسعد بما علمتني
مني".
وذلك إذا كان الإنسان يعلِّم الآخرين ولكن ليس عنده هو همّة في
العمل، فيستفيد الناس وينتفعون وتصلح أحوالهم وتستقيم أحوالهم على يديه لكن هو في
درب آخر.
أورد ابن الجوزي –رحمه الله- في كتابه "القصاص والمذكرين"
كلمة عظيمة لميمون بن مهران، ذكر القُصَّاص -رحمه الله- فقال كلامًا عجيبًا، قال:
"المستمعُ شريكُ المتكلِّم، ولا يخطئ المتكلِّمَ إحدى ثلاث: إما
أن يُسمِّنَ قولَه بما يُهْزِلُ دينَه، وإما عُجْبٌ بنفسه، وإما أن يأمرَ بما لا
يفعل. والمستمع أيسر مؤونة، المستمعُ ينتظر الرّحمة، والمتكلِّمُ ينتظر
الـمَقْتَ".
وقوله: "إما أن يُسمّن قوله بما يهزل دينه" أي: يعتني
بصناعة تنميق الكلام وتحسين الكلام حتى الناس تعجب بطريقته وأسلوبه إلخ.
ففي هذا الأثر تنبيه على خطورة هذا الأمر، وأن الوعظ والتذكير والقصص
إلى غير ذلك ينبغي أن يُلحظ فيه هذا الملحظ حتى لا يدخل الإنسان منه إلى باب عجب؛
فيهلك عياذًا بالله سبحانه وتعالى من ذلك.
مداواة العُجْب:
العجب تكون مداواته ومعالجة النفس منه بأمور:
أولاً- اللجوء إلى الله، "اللهم آت نفسي
تقواها، وزكها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها".
ثانيًا- أن تذكر الذنوب، كلما تحرك في نفس
الإنسان شيءٌ من العجب مباشرة يذكرها بالصفحة الأخرى التي فيه. إذا أُعجب بشيء من
أعماله يقلب الصفحة على الجانب الآخر الذي هو موجود فيه، يذكرها: بأني مقصر في
كذا، ومقصر في كذا، ومفرط في كذا، ولا أفعل كذا إلخ، فهذا يطفئ هذه الجمرة التي
بدأت تتقد في قلبه.
وللبيهقي عن أنس –رضي الله عنه- مرفوعًا: "لو لم تذنبوا لخفت
عليكم ما هو أشد من ذلك: العجب".
النبي -عليه الصلاة والسلام- خاف على الأمة العجب أشد من خوفه عليهم
من الذنوب، يعني أن وجود الذنوب من الإنسان فيها سلامة له من
العجب، وذلك كلما بدأ يتحرك في نفسه الإعجاب، إذا أعجب بشيء من علمه، أو أعجب بشيء
من عبادته، أو أعجب بشيء من بره وإحسانه، أو أعجب بشيء من صدقاته، وبدأ يصيبه
العجب قال: انظر الذنوب التي عندك، ويبدأ ينظر في الذنوب؛ فيزول عنه العجب.
والذنوب عمومًا الإنسان يعترف أنه مقصر فيها، فيرجو التوبة، لكن
العجب هو أصلاً يرى صلاح نفسه، يرى أنه لا أحسن منه، حتى التوبة يمكن ليس لها مجال
عنده، لأنه سيطر عليه العجب فأنساه كل شيء.
ثالثًا- رؤية التقصير في جنب الله، حتى في الأمر الذي أُعجب
به، إن كان أعجب بعبادة معينة يفعلها، فلينظر إلى تقصيره في هذه العبادة، وأن حق
الله سبحانه وتعالى أعظم، قد قال -عليه الصلاة والسلام-: "لن يدخل أحد
الجنّة بعمله، إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن
يتغمدني الله برحمته".
رابعًا- أن يتذكر نعمة الله عليه، إذا أُعجب الإنسان بشيء
لا ينظر إلى نفسه، بل يقول: هذا فضل الله عليّ، لولا فضل الله عليّ لما حصل لي هذا
الأمر.
ولهذا قال العلماء: إن دواء العجب أن تقول: "ما شاء الله لا قوة
إلا بالله"، {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا
شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} (الكهف: 39) إذا دخلت
جنتك، بيتك، ورأيت مثلاً الأثاث الجميل، والزروع الجميلة وبدأ تُعجب بهذا الشيء
قل: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، ذكّرْ نفسك بالنعمة، وأن هذه نعمة
الله عليك، ولولا أن الله أنعم عليك بها لما كانت عندك، فهذا أيضًا يطرد العجب.
جمع هذه الأشياء الإمام حافظ حكمي -رحمه الله تعالى- في منظومته في
الآداب، قال:
لا تُعجبَنَّ به
يحبطْ ولا ترَهُ
|
في جانبِ الذّنبِ والتقصيرِ والنِّعَمِ
|
"ولا تره" يعني لا ترَ عملَك رؤيةَ إعجاب به في جانب الذنب
والتقصير والنعم.
مباشرة إذا بدأت نفسك تتحرّك عُجْبًا بعملك، ذكّرها بهذه الأمور
الثلاثة: الذنب والتقصير والنعم.
الذنب: اقلبْ الصحفة على الجانب الآخر فيك، إذا أُعجبتَ بالأعمال
ذكّرْها بالذنوب التي عندك.
التقصير: ذكِّرْها بالتقصير حتى في العمل نفسه الذي أُعجبت به.
النعم: ذكِّرْها بالنعم، أن هذا فضل الله عليك، ولولا فضل الله عليك
لما كنت كذلك.
المرجع:
الشرح الصوتي لكتاب الكبائر" للدكتور عبد الرزاق البدر حفظه
الله (باختصار وتصرّف).
الرابط