قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}
ذكر الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في الفوائد المستنبطة من هذه
الآية:
"تحريم التفرق في القلوب، لأن المدار على التفرق في القلوب، أما
التفرق في الأبدان فضروري أن يتفرق الناس، كل الآن في بيته، وفي الأقوال أيضًا
يتفرقون، وما أكثر الخلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً في المسائل العلمية، لكن
الذي يجب على المسلمين أن يبعدوا عنه، هو التفرق بينهم في القلوب لأنه هو الذي
عليه المدار، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» [رواه
مسلم] فالمدار على القلوب. إذن في هذه الآية دليل على تحريم التفرق في القلوب حتى
لو تفرقت الأبدان أو تفرقت الأقوال، فالواجب أن القلوب لا تتفرق، وكان اختلاف
الصحابة رضي الله عنهم في الاجتهاد المؤدي إلى التفرق في الأقوال لكن القلوب
واحدة، لا يكره بعضهم بعضًا إذا خالفه في الرأي. بل إني أؤكد ما ذكرت سابقًا: إنه
ينبغي للإنسان العاقل أنه إذا خالفه أخوه في رأيه بمقتضى الدليل عنده أن يكون ذلك
أدعى إلى قوة المحبة له لأنه خالفه للدليل، والثاني أيضاً خالفه للدليل، فكان
ينبغي عليه أن تكون محبته أقوى؛ لأن الرجل لم يحابني في ذات الله، وإنما قدَّم
محبة الله. وأنا حينما أخالفه تقديماً لمحبة الله عزّ وجل، فالإنسان العاقل المؤمن
هو الذي لا تزيده مخالفة أخيه له في الرأي تلك المخالفة المبنية على الاجتهاد إلا
محبة له وتمسكًا به. خلافًا لما يفعله بعض الناس الآن ومع الأسف أنهم طلبة علم إذا
خالفه أخوه في الرأي، مع أنه لا يعلم الصواب عنده أو عند أخيه أبغضه وكرهه وهجره،
وربما يلاقيه فاسق فيسلم عليه، ويلاقيه أخوه الذي خالفه في الرأي ولا يسلم عليه،
وما ذاك إلا من الشيطان، الشيطان هو الذي يريد أن يوقع العداوة بين المسلمين ولا
سيما بين طلبة العلم حتى ينبذ بعضهم بعضاً؛ لأن الشيطان يعلم أن الشريعة لا تقوم
إلا بالعلم وبالعلماء، فإذا تنابذوا وتقاطعوا فيما بينهم، وصار بَعضهم يكره بعضًا؛
ارتكبوا مخالفة لنصوص الكتاب والسنّة التي تأمر العباد بالاجتماع والألفة، وتنهاهم
عن الاختلاف والفرقة. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا}".