السبت، 28 مارس 2015

قصيدة: فدعِ الصِّبا (الكامل)


كلمات : الشاعر صالح عبد القدوس

فدَعِ الصِّبا فلقد عداكَ زمانُهُ و ازهَد فعمرُكَ مرَّ منه الأطيبُ

ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ و أتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ

دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا و اذكُر ذنوبَكَ و ابِكها يا مُذنبُ

و اذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه لا بَدَّ يُحصي ما جنيتَ و يَكتُبُ

لم ينسَهُ الملَكانِ حينَ نسيتَهُ بل أثبتاهُ و أنتَ لاهٍ تلعبُ

و الرُّوحُ فيكَ وديعةٌ أودعتَها ستَردُّها بالرغمِ منكَ و تُسلَبُ

و غرورُ دنياكَ التي تسعى لها دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ

و الليلُ فاعلمْ و النهارُ كلاهما أنفاسُنا فيها تُعدُّ و تُحسبُ

وجميعُ ما خلَّفتَهُ و جمعتَهُ حقاً يَقيناً بعدَ موتِكَ يُنهبُ

تَبَّاً لدارٍ لا يدومُ نعيمُها و مَشيدُها عمّا قليلٍ يَخربُ

فاسمعْ هُديتَ نصيحةً أولاكَها بَرٌّ نَصوحٌ للأنامِ مُجرِّبُ

صَحِبَ الزَّمانَ و أهلَه مُستبصراً و رأى الأمورَ بما تؤوبُ و تَعقُبُ

فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْها تفزْ إنّ التّقيَّ هوَ البَهيُّ الأهيَبُ

و اعملْ بطاعتِهِ تنلْ منهُ الرِّضا إن المطيعَ لهُ لديهِ مُقرَّبُ

و اقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ و اليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلبُ

فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ

و ابدأْ عَدوَّكَ بالتحيّةِ و لتَكُنْ منهُ زمانَكَ خائفاً تترقَّبُ

و احذرهُ إن لاقيتَهُ مُتَبَسِّماً فالليثُ يبدو نابُهُ إذْ يغْضَبُ

إنَّ العدوُّ و إنْ تقادَمَ عهدُهُ فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغيَّبُ

و إذا الصَّديقٌ لقيتَهُ مُتملِّقاً فهوَ العدوُّ و حقُّهُ يُتجنَّبُ

لا خيرَ في ودِّ امريءٍ مُتملِّقٍ حُلوِ اللسانِ و قلبهُ يتلهَّبُ

يلقاكَ يحلفُ أنه بكَ واثقٌ و إذا توارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ

يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً و يَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ

وَ صِلِ الكرامَ و إنْ رموكَ بجفوةٍ فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصوَبُ

و اخترْ قرينَكَ و اصطنعهُ تفاخراً إنَّ القرينَ إلى المُقارنِ يُنسبُ

إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكرَّمٌ و تراهُ يُرجى ما لديهِ و يُرهبُ

و يُبَشُّ بالتَّرحيبِ عندَ قدومِهِ و يُقـامُ عندَ سلامهِ و يُقرَّبُ

و الفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنه حقاً يهونُ به الشَّريفُ الأنسبُ

و اخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهمْ بتذلُّلٍ و اسمحْ لهمْ إن أذنبوا

و دعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً إنَّ الكذوبَ يشينُ حُراً يَصحبُ

و زنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطُبُ

و احفظْ لسانَكَ و احترزْ من لفظِهِ فالمرءُ يَسلَمُ باللسانِ و يُعطَبُ

و السِّـرُّ فاكتمهُ و لا تنطُقْ بهِ إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ

و كذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لمْ يُطوهِ نشرتْهُ ألسنةٌ تزيدُ و تكذِبُ

لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ و يتعبُ

و يظلُّ ملهوفاً يرومُ تحيّلاً و الرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ

كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ رغَداً و يُحرَمُ كَيِّسٌ و يُخيَّبُ

و ارعَ الأمانةَ ، و الخيانةَ فاجتنبْ و اعدِلْ و لا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسَبُ

و إذا أصابكَ نكبةٌ فاصبرْ لها من ذا رأيتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ

و إذا رُميتَ من الزمانِ بريبةٍ أو نالكَ الأمرُ الأشقُّ الأصعبُ

فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ يدعوهُ من حبلِ الوريدِ و أقربُ

كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ

و احذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ

و احذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً و اعلمْ بأنَّ دعاءَهُ لا يُحجَبُ

و إذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلدةٍ و خشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ

فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا طولاً و عَرضاً شرقُها و المغرِبُ

فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ و يُوهَبُ