الجمعة، 20 مارس 2015

النجاة في اتّباع سبيل المؤمنين

"النجاة في اتّباع سبيل المؤمنين"
خطبتي الجمعة 15 – 5-  1436هـ / 6-3-2015 م
من المسجد الحرام
لفضيلة الشيخ د.أسامة بن عبدالله خياط
إمام وخطيب المسجد الحرام
رابط الاستماع

وهذه جزء منقول منها مع قليل من الاختصار:

إنّ أقوى أسباب الانحراف الذي أورث أهله خطيئتين عظيمتين، هما:
1- الجرأة على الدم الحرام، والاستهانة به، وقلة أو عدم الاكتراث بما ورد فيه من الوعيد عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
2-والولع بتكفير المسلمين، والولوغ في ذلك الإثم المبين، والمسارعة إليه بغير بينةٍ ولا فقهٍ ولا خشيةٍ من الله ولا مراقبةٍ له، ولا نزولٍ عند حكمه، ولا تركٍ لأهواء النفوس وشهواتها لمراده سبحانه.
إنّ أقوى وأظهر أسباب هذا الانحراف في قول أهل التحقيق من العلماء:
 1- مشاقة رسول الله
 2- واتباع غير سبيل المؤمنين في فهم كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم
وذلك هو الذي نهى عنه وحذر منه وتوعّد مجترِحه بأن يصليه نار جهنم، فقال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115).
والذي يستوقف اللبيب ويسترعي انتباهه -يا عباد الله- كما يقول أهل التحقيق من العلماء أنّ الله لم يقتصر فيها على ذكر مشاقة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، بل قرن إليها اتباع غير سبيل المؤمنين ليدل بذلك على أن اتباع سبيل المؤمنين أو ضده أمر قد بلغ الغاية من الأهمية إيجابًا وسلبًا. ومؤدَّاه أن من اتبع سبيل المؤمنين فهو الناجي عند الله يوم القيامة، وعلى العكس منه من خالف سبيل المؤمنين فإنّ له نار جهنم يصلاها مذمومًا مدحورًا.
إنّ هذا هو منشأ ضلال طوائف كثيرة جدًا في ماضي الأيام وحاضرها، وفي قديم الدهر وحديثه، وذلك أنهم لم يلتزموا باتباع سبيل المؤمنين في فهم الكتاب والسنّة، وإنما ركبوا عقولهم، واتبعوا أهواءهم، وزُينت لهم آراؤهم، وأعجبتهم أنفسهم، فأوبقهم ذلك في أدهى المصائب، وأدّى بهم إلى أخطر العواقب. فكان هذا العقاب الأليم الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جزاء وفاقًا على خروجهم على ما كان عليه سلف الأمة وخيارها. وفي الطليعة منهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين عدّلهم القرآن وزكاهم، وشهد لهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية والأفضلية والمنزلة الرفيعة، التي لا مطمع لأحدٍ بعدهم في أن يبلغها. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا لم يبلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه" أخرجه الشيخان في صحيحيهما وأبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأما الأحاديث الدالة على ما دلّت عليه الآية الكريمة، فمنها:
حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة". أخرجه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح.
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فذكر الحديث بنحوه، وفيه قال قال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الفرقة الناجية: "ما أنا عليه وأصحابي" وإسناده حسن بمجموع شواهده، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتف في هذا الحديث بقوله: "ما أنا عليه" ولكنه عليه الصلاة والسلام وهو الرؤوف الرحيم بالمؤمنين أوضح لهم أن علامة الفرقة الناجية أن تكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان عليه أصحابه من بعده.
وعليه فإنه لا يجوز أن يُقتصر في فهم الكتاب والسنّة على تلك الوسائل والعلوم التي اشترط العلماء العلم بها لمن تصدّى لبيان معاني الكتاب والسنّة، مثل معرفة اللغة والتمكن من أصولها وقواعدها، ومعرفة والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك، بل لا بد من الرجوع في كل ذلك إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا أخلص الأمة لله بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، في العبادة، كانوا أفقه الخلق في معاني الكتاب والسنّة، وأعلم العباد بمعاني التنزيل، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "للصحابة فهمٌ في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين. كما أنّ لهم معرفةً بأمور من السنّة، وأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرفها أكثر المتأخرين؛ فإنهم شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم والتنزيل، وعاينوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلّون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين" اهـ.
وصدق رحمه الله، صدق رحمه الله، فما أكثر ما خفي على أكثر المتأخرين، من معاني القرآن والسنّة، بشؤم الإعراض عن هذا الفهم الصائب، والمرجعية المؤصلة المسدّدة.
فاتقوا الله –عباد الله- واعلموا أنه لا مندوحة عن اتباع سبيل المؤمنين في فهم الكتاب والسنّة، لمن أراد النجاة من الفتن التي أصابت كل مَن ركب عقلَه، واتبع هواه، وخرج عن سبيل المؤمنين، من الصحابة والتابعين، وأتباعهم بإحسانٍ من أهل القرون المفضلة، والأزمنة المقدّمة في الدين والإيمان والإحسان.
قال بعض أهل العلم بالحديث:
إنّ حديث الوصية بسنّة الخلفاء الراشدين المهديين وهو حديث العِرباض أنّه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا : يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال : أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة". أخرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
والشاهد منه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حضّ أمته في أشخاص أصحابه أن يتمسكوا بسنته، ثم لم يقتصر صلوات الله وسلامه عليه على ذلك، بل قال: "وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
فإذا أردنا أن نفهم عقيدتنا أو أن نفهم عباداتنا، وأن نفهم أخلاقنا وسلوكنا فلا بد لنا من أن نعود إلى سلفنا الصالح لفهم هذه الأمور التي يتحقق فيمن فهمها وعمل بمقتضاها أنه من الفرقة الناجية.
ومن هنا ضلت طوائف قديمة وحديثة، حين لم يلتفتوا إلى الآية وإلى حديث سنّة الخلفاء الراشدين المهديين فكان أمرًا طبيعيًا جدًا أن ينحرفوا كما انحرف من سبقهم عن كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح. ومن هؤلاء الخوارج قديمًا وحديثًا.
فاتقوا الله –عباد الله- واعلموا أن السلامة من الفتن والشرور كافة ومن فتنة التكفير واستباحة الدم الحرام خاصة:
1- هي باتباع سبيل المؤمنين في فهم معاني الكتاب والسنّة
هي باتباع سبيل المؤمنين في فهم معاني الكتاب والسنّة
هي باتباع سبيل المؤمنين فقط في فهم معاني الكتاب والسنّة
2- وبالحذر التام من مشاقة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ومن اتباع غير سبيل المؤمنين
إذ بهما – أي بالمشاقة وباتباع غير سبيل المؤمنين- تحصل أخطر العواقب، وتدهى به أعظم المصائب.