بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد من دروس البلاغة القرآنية للدكتور هاني فرّاج
حفظه الله
من المحاضرة الأولى (الأحد 7/ 4/ 1437هــ):
1-
علاقة البلاغة العربية بالتفسير والدعوة أنّ أصل البلاغة العربية في نشأتها نشأت
أساسًا وأصلًا لبيان إعجاز القرآن الكريم.
2-
نَقَلَ القرآنُ الكريم طرائقَ استعمالِ العرب في كتابه العزيز، لكن مع الفارق
الكبير في النّظم وفي الأداء، وفي التراكيب، وفي اللغة، وفي السّياق، وفي مسألة
العرض العام الذي تكون عليه لغة الكتاب العزيز.
3- القرآنُ الكريم لا يمكن فهمُه ولا يمكن إدراكُه
ولا يمكن تَفتُّقُ كلِّ معانيه ودلالاته الخفية إلا من خلال هذه الألون البلاغية.
4-
العلاقة بين الأدب والبلاغة والنقد:
الأدب
عمومًا هو عبارة عن صناعة الكلام،
إنتاج الكلام.
ونسيج
هذه الصناعة الكلامية هي البلاغة العربية، يعني القيمة الجمالية،
القيمة التركيبية التي تتركب منها هذه الصناعة هي البلاغة العربية.
والنقد
هو المعيار الذي يحكم على هذه الصناعة من حيث الجودة والرداءة.
إذًا
هذه الثلاثية مرتبطة بعضها ببعض، ارتباطًا وثيقًا جدًا.
5-
البلاغة يقولون عنها: هي فنّ الجمال، أو هي علم مرتبط بإظهار جماليات النصّ، القيمة
الجمالية التي تعطي النصّ جمالًا وروعة وأثرًا وتأثيرًا، لأنه ليس من الممكن أن
تكون البلاغة مجرّدَ إبلاغ وتبليغ فقط، كما ذكرت بعضُ المعاجم، يعني توصيل، قد يوصِّل
المرسِل الرسالة دون أن يؤثر في هذا المتلقي أو هذا القارئ الذي يستقبله!
كثير
من الناس يتحدثون لكن لا يؤثرون!
كثير
من الناس يعلّمون، لكن العلم هذا إن لم يكن بإخلاصٍ وبعطاءٍ وبدَأَبٍ عليه وبحرصٍ
عليه ربما لا يصلُ للآخر، ولو وصل يكون لغرض، ويكون مؤقتًا، لأجل الاختبار أو لأجل
تحصيل شيءٍ معين، أو أو إلى آخره من هذه الأمور.
لكن
إذا كان مطلبُ العلم للعلم ثبتت العلمية، وتمّت الإفادة، واستمر الجيل تلوَ الجيل
يحصّل، وتزيد المعرفة، وتتراكم عبر الأجيال.
6-
حاجة طلاب علم التفسير وعلوم القرآن لعلم البلاغة شديدة، وذلك:
أ-
لمعرفة الكثير من متعلقات القرآن الكريم بالدراسات البلاغية التي حوله.
نتعرّف
ما هي؟ ونتعرف قواعدها، ونتعرف شواهدها، ونتعرّف نصوصها، ونتعرّف خصوصها، ونتعرّف
الكثير مما يتعلق بهذه القضايا البلاغية.
ب-
للاطّلاع على أوجه إعجاز القرآن الكريم.
ينبغي
أن نعرف أوجه إعجاز القرآن الكريم؛ لأنه ليس من المقبول ولا المعقول أن نكون حَمَلةَ
كتاب الله أو أن نتدارس كتابَ الله ولا نبحث في وجوه إعجازه، من أي وجه كان القرآن
معجِزًا؟ وكيف كان هذا الإعجاز؟
كل
نبيّ من الأنبياء كانت له معجزة، ومعظم معجزات الأنبياء السابقين هي معجزات حسية،
بمعنى أنها ملموسة، أو محسوسة أو مرئية أو مشاهدة، إلا معجزة نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم، فهي معجزة معنوية وليست حسية، بمعنى أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم
أو القرآن هو كلام، والكلام يُدرَك ويُفهَم بالعقل والمعنى، لا أن يُحسّ، ولذا
كانت معجزةً عقليةً أو معنويةً بشكل مطلق.
هذا
يحيلنا إلى أن نتفكّرَ ونتدبّرَ ونتأملَ في هذا الكتاب العزيز، كيف تكوّن؟ وكيف
تشكّل؟ وما لغتُه؟ وما سياقاتُه؟ وما جمالُه؟ وما القواعدُ البلاغية التي تعينني
أنا كطالب في بدايتي على معرفة هذا
الإعجاز؟
7-
قواعد النحو في جلّها وفي أغلبها مستقاة من القرآن الكريم.
ومعايير
الجمال في الأدب والبلاغة والنقد أيضًا مستقاة من القرآن الكريم.
عندما
كنت أعدّ رسالة الدكتوراة عن القرآن الكريم، في مسألة بلاغة القرآن تحديدًا، وهي (الصيغ
الجمالية في تشبيهات القرآن الكريم) مسألة مرتبطة بالجمال، وكان معيار الجمال
العالمي أو الدولي أو الذي يصطلح عليه الناس في كلِّ الأجناس معايير متعددة،
التناسب والتلاؤم والائتلاف وقضايا النصّ والمعنى ومسألة السّياق ومسائل كثيرة
جدًا متعددة من المعايير الجمالية، فعندما كنت أدرس الدكتوراة في جامعة برلين في
ألمانيا، مسألة علم الجمال تحديدًا، كيف نفهم
علم الجمال؟ وكيف نستثمر هذه العطاءات المعرفية في بيان جمال القرآن الكريم. فبعد
ممارسات وجدتُ أنّ كل هذه القواعد الجمالية والمعايير الجمالية البشرية الموضوعة
من صنع البشر هي مستقاة من كتاب الله تعالى، فقلت:
"إنّ
القرآن هو الذي يُستقى منه المعيار الجمالي، ويُقاس عليه، لا هو يأخذ معياره من
غيره".
لأنه
النموذج المثالي الذي وصل إلى درجة لا يمكن لبشر من الخلق جميعًا أن يصل إلى هذا
المستوى من الكلام، ولذلك هذا مصداق قول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ
لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88).
المسألة ليس فقط إنس، وليس فقط جن، بل كلّ المخلوقات لو تآزرت وتناصرت وائتلفت
وتجمّعت مع بعضها البعض وكانت عونًا ونصيرًا لبعضها على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لم يستطيعوا ولن يستطيعوا.
مع
العلم أن لغة هذا القرآن هي لغة العرب، هي اللغة التي يتعامل بها الناس، هي اللغة
التي يتعامل بها العرب في شعرهم ونثرهم وأحكامهم وأمثالهم إلخ، لكن الطريقة التي
عُرض بها هذا الكلام المقدّس من لدن حكيم خبير.
8-
هناك وجوه عديدة من مسألة الإعجاز، لكن الأمر الذي استوقف الكثير من العلماء هو
مسألة النظم تحديدًا، أن القرآن الكريم معجز بنظمه، ومعنى النظم:
الطريقة
التي جاء عليها القرآن الكريم
طريقة
عرضه وأسلوبه
طريقة
صياغة الكلام
طريقة
معاجلة القضايا
طريقة
وضع التشريعات
طريقة
وضع الأخلاقيات والمعاملات والسلوكيات
طريقة
المسائل الفقهية المتعلقة بنظام البشر والكون والمخلوقات
قضايا
متعددة،ولكلٍّ طريقة، ولكلٍّ سبيل.
9-
الإمام عبد القاهر الجرجاني رأى أن هذا النظم لا يتحقق بمهمتين اثنتين:
المرحلة
الأولى: هي ارتباط هذا النظم تحديدًا بمسألة القاعدة النحوية.
قال:
أن تضعَ كلامَك الموضعَ الذي يقتضيه علمُ النحو.
أي:
تحقق الصحة النحوية.
المرحلة
الثانية: توخي معاني النحو فيما بين معاني الكلم.
يعني:
أحرص على المعاني النحوية المختلفة، من الفاعلية والمفعولية والخبرية والابتدائية
والإضافية والتبعية إلخ، وأبحث عن متعلقاتها فيما بين مقاصد الكلام، من الفاعل في
هذا النسق؟ من المفعول؟ من المختَصّ؟ من المقدَّم؟ من المؤخَّر؟ من الذي يُقصد بكلامه؟
ما المزيةُ في ذلك؟ إلخ.
لأن
الكلام له أغراض ومقاصد غايات؛ فينبغي أن تكون هذه المقاصد وهذه الأغراض وهذه
الغايات، مرتبطة بمعاني النحو التي يستقيم عليها الكلام.
10-
الدراساتُ التفسيرية لا يمكن أن تنفصل بحال من الأحوال بمسألة الدرس البلاغي، لأنّ
الدرسَ البلاغيَّ هو دعوة، والدعوةُ هي الدرسُ البلاغيّ.
لا
يمكن للداعي أن يوصِّل رسالته إلا من خلال أن يكون على دراية بمسائل التوصيل
البلاغيِّ الصحيح.
من
مهمة الدرس البلاغي ليس فقط أن يوصِّل رسالةً ما، وإنما تقوم الوظيفة الكبرى على
مسألة التأثير والإقناع والإمتاع والجمال.
والغاية
العظمى عندما يتكشّف هذا الجمال، وتستقرّ عليه نفسك باطمئنان، عندما تشعر فعلًا
بأنك مقتنِع، ومع هذا الاقتناع المطلق أنك مستمتع بمسار هذا الكلام، وأنك راضٍ
بداخلك عن مُجريات هذا الكلام، ومقاصد ومراد هذا الكلام، عندها تكون الرسالة البلاغية
أدّت دورَها الوظيفيّ، وهو التأثير والإقناع والإمتاع في هذا الذي يقرأ أو الذي
يتلقى.
{وَإِنَّكَ
لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (النمل: 6).
11-
مسألة إعجاز القرآن الكريم لها شق تاريخي وشق تطبيقي:
الشقّ
التاريخيّ: العلماء الذين تحدّثوا عن الإعجاز، وماذا أبدوا من آراء ومعايير
ومقاييس لهذا الإعجاز.
الشقّ
التطبيقيّ: يأخذون القضايا البلاغية الموجودة، ويبدؤون يضعونها في ميزان التذوق
وفي ميزان التحليل، وفي ميزان بيان أجه بلاغة الإعجاز الموجودة في هذه الآيات
القرآنية.
12-
النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "اللهم
فقهه في الدّين، وعلّمه التأويل" كانت المسألة في منتهى الخصوصية من النبي
صلى الله عليه وسلم، فلم يقل: (وعلمه التفسير) لأن:
التفسير:
ربما يكون مرهونًا ومقرونًا بمسألة ظواهر الكلام، البناء السطحي، سطحيات الكلام،
المراد الظاهري.
التأويل:
المعاني البعيدة، ما وراء النصّ، أو غيبيات النصّ، أو المعاني الخفية، البِنية
العميقة، المقصد العميق الذي في داخل هذه النصوص.
والتأويل
مرهون بالتفسير، فكلاهما مرهون بالآخر.
إذًا
لهذه الدواعي المتعددة كان لزامًا أن يرتبط التفسير بالأدوات البلاغية المختلفة
لكي يصل في النهاية إلى مسألة الفهم الدقيق والواعي المدرك.
13-
إشارة الدكتور إلى مسألة المجاز، ووروده في القرآن:
إذا
كان بعضُ الناس وبعضُ الفرق استعملت المجاز بصورة خاطئة، فليس ضلالُ الآخرين مانعًا
لي أن أبحث في العلم أو أنظر في قضايا العلم، ليس معنى ذلك أن هذا العلم فاسد.
لغة
العرب لغة مجازية في الأساس، فهل استعمال فئة من الناس -ضلّوا في فكرهم- يكون
معيارًا لي أن أعزف تمامًا عن دراسة هذا الأمر؟!
مزالق
التأويل هذه التي وقع فيها العلماء قديمًا في مسألة الخوض في أسماء الله تعالى وفي
صفاته، وفي مسألة المجاز المرتبط بهذه الأمور العقدية وغيرها، هذا الذي أفسد
التأويل، لكن ليس معنى إفسادهم للتأويل أو استعمالهم غير الصحيح لهذه الأمور
يجعلني أعزف عن مدارسة وبيان وقيمة هذا الأمر.
المجاز
أسلوب من أساليب العرب في الكلام، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، يعني ما هو
موجود في لغة العرب سيستعمله القرآن الكريم، كيف يحدّثهم وكيف يُعجزُهم، والمجاز
الذي هو أرقى طرقِ التعبيرِ عندهم، لا يكون موجودًا في القرآن؟!
العلم
ليس الذي لم يَرُقْ لي أتركه وانتهينا. القضية أنكَ لستَ ملكَ نفسِك وحدك، إنما
القضية متعلقة بالآخَر، لأنك أنتَ مسؤول، عندك رسالة، الرسالة هذه قد توضع في موقف
ما لتوصِّلها، فلا يمكن أن توصَّل هذه الرسالة بالعَزْفِ عن بعضٍ، وأَخْذِ بعضٍ.
ليس
فقط مسألة أنني طلعت من هنا، هل يوجد مجاز أو غير مجاز؟ وما دليل ذلك؟ هذه الأمور
لا تعنيني في شيء، ولا أهتمُّ بها، مع أني متخصِّص، لأنها مسألة جدلية لا فائدة
منها في النهاية، وإنما أنظر إلى القيمة
من وجود هذا الكلام بهذه الطريقة؟ لمَ قال تعالى –مثلًا-: {واسأل القرية} ولم يقل:
واسأل أهلَ القرية؟! لم جاء بهذا الأسلوب؟