السبت، 6 فبراير 2016

جزء من خطبة (القِصاص..حِكم وأحكام) لفضيلة الدكتور عبد الرحمن السديس

إنّ الإسلام دينُ السّلام، وما شُرِعَت أحكامُ الشريعة إلا لمصالِح العبادِ في المعاشِ والمعاد، وحيثُما وُجِدَت المصلحةُ المُتيقَّنة فثَمَّ شرعُ الله؛ فشريعتُنا إعمارٌ لا دمار، بناءُ ونماءٌ لا هدمٌ وفناءٌ، إشادةٌ لا إبادة.
وما تعمَدُ إليه فِئامٌ مارِقةٌ ضالَّةٌ آبِقة، يمتشِقُون أسَلاتهم الناهِشة من إيقاظِ الفتنِ النائِمةِ، في أفكارٍ حالِمة، ومناهِجَ هائِمة، تعمَدُ إلى سَفكِ الدمِ الحرامِ، والعُتُوِّ في الأرضِ والإجرام، ومُحاولة طمسِ مُكتسَبَاتِ هذه الديار المُبارَكة، وتدمير مُنشآتِها ومُقدَّراتها، التي هي رمزُ قوَّتها، وعبْضُ سَطوتها المَتين، وأهبَتها بين العالَمين، وتقتيل الأبرياء والعُزَّل.
بل والأدهَى والأمَرُّ: التطاوُلُ على بيوت الله، والإضرارُ بالمساجِد ودُور العبادة، وانتِهاكُ حُرماتها، وترويعُ الساجِدين الآمِنين. كلُّ ذلك وأقلُّ منه يتنافَى مع مقاصِد شريعتِنا السامِية.
ولقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا»؛ متفق عليه.
قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فوالذي نفسي بيدِه؛ إنها لوصيَّتُه لأمَّته: «فليُبلِّغِ الشاهِدُ الغائِبَ، ألا لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرّبُ بعضُكم رّقابَ بعضٍ».
وصحَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أولُ ما يُقضَى بين الناسِ يوم القيامة في الدماء»؛ متفق عليه.
قال الحافظُ ابن حجرٍ - رحمه الله -: "وفي هذا الحديثِ: عِظَمُ أمر الدم، فإن البداءَةَ إنما تكونُ بالأهم، والذنبُ يعظُمُ بحسبِ عِظَمِ المفسَدة، وتفويتِ المصلَحة، وإعدامُ البِنيَةِ الإنسانيَّة غايةٌ في ذلك، وقد وردَ في التغليظِ في أمر القتلِ آياتٌ كثيرة، وآثارٌ شهيرة". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
وروى الإمام مسلمٌ في "صحيحه": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنها ستكونُ هنَاتٌ وهنَّاتٌ، فمن أرادَ أن يُفرِّقَ أمرَ هذه الأمةِ وهي جَمِيعٌ، فاضرِبُوه بالسَّيفِ كائِنًا مَن كان».
فهذا هو العدلُ والإنصافُ لمن أراد أن يُفرِّقَ جمعَ الأمةِ أو يحرِقَ وحدَتها. كيف بمن يقتُلُ ويصنعُ المُتفجِّرات، ويعملُ على ترويجِها، ويسعَى جاهدًا إلى زعزعَةِ الأمن وعدم استِقراره، ونشرِ الذُّعرِ بين أفرادِ المُجتمع، وتهُونُ عليه أرواحٌ مُعلَّقةٌ بالمساجِد، ما بين راكعٍ وساجِد، وعابِدٍ قائِمٍ وهاجِد. وشريعةُ الرحمن البديعة لا يمرُقُ عن حُدُودِها مارِق، ولا يُفارِقُ جماعتَها غالٍ مُفارِق إلا تلَّ الحقُّ للحدِّ خدَّه، وأنصفَ العدلُ هزْلَه وجِدَّه.
ومن أجلِ كينُونةِ النفوسِ العَلِيلَة، الباطِشَةِ الشرِّيرة، ودفعِ القتلِ المُرِيع، رتَّب المولَى - جلَّ في عُلاه - العقوبةَ القُصوَى على هذه الجريمة النَّكراء، يقول - جلَّ شأنُه -: Description: الوصف: start-iconيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَىDescription: الوصف: end-icon [البقرة: 178]، ويقول تعالى: Description: الوصف: start-iconوَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَDescription: الوصف: end-icon [البقرة: 179].
وما ذاك إلا توطيدًا للأمنِ وحمايةً للمُجتمع، وقطعًا لدابِرِ الجريمة، واستِئصالاً لكلِّ ما يُؤدِّي إلى انتِشارِ الفوضَى.

قِف عن القتلِ فقد جاوَزتَ حدَّك

واتَّقِ اللهَ الذي إن شاءَ هدَّك
قِف عن القتلِ فإن القتلَ نارٌ
سوفَ تُصلِي رأسَكَ الخاوِي وزنْدَك

المصدر: 
بوابة الحرمين الشريفين
http://www.alharamain.gov.sa/index.cfm?do=cms.khutbah