الخميس، 30 يونيو 2016

مائة فائدة من سورة النور

بسم الله الرحمن الرحيم
مائة فائدة من سورة النور
1.   عظم منّة الله علينا بهذه السورة؛ حيث اشتملت على علامات ودلالات على الحقّ بينات واضحات، قال تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} (النور: 1).
2.   أنّ تبيّن هذه الآيات واتضاحها إنما يكون لمن تذكّر بها وتأمَّلَها وفكَّر فيها بعقل أنها من عند الله، فإنها الحقّ المبين، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}  (النور: 1).
3.   وجوب إقامة الحدّ على الزاني والزانية، وهو مائة جلدة، وذلك إذا كانا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ بِكْرَيْنِ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ، قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: 2).
4.   أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَأْخُذُهُ الرَّأْفَةُ إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، لقوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النور: 2).
5.   تحريم الزنا، وشدة التغليظ فيه، قال تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور: 3).
6.   ذهب الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنَ الرَّجُلِ الْعَفِيفِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ حَتَّى تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ الْمُسَافِحِ، حَتَّى يَتُوبَ تَوْبَةً صَحِيحَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور: 3).
7.   تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4).
8.   وجوب حدّ القاذف ثمانين جلدة بشروط: إذا لم يكن القاذف زوجًا، ولم يأتِ بأربعة شهداء، وإذا كان المقذوف محصنًا مؤمنًا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ} (النور: 4)، مع قوله تعالى: {ووَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (النور: 6).
9.   شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حُدَّ على القذف، حتى يتوب، قال تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (النور: 4-5).
10.                      القذف من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4).
11.                      من رحمة الله وفضله، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين، لشدة الحاجة إليه، وأن بين لنا شدّة الزنا وفظاعته، وفظاعة القذف به، وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها، قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} (النور: 10).
12.                      قد يصيب العبد أمرٌ فيحسبه في ظاهره شرًا له، وهو في باطنه خير له، فليفوّض العبد جميع أموره إلى الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (النور: 11).
13.                      اعْتِنَاءِ اللَّهِ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، حَيْثُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَاءَتَهَا فِي الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42] وَلِهَذَا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهِيَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، قَالَ لَهَا: أَبْشِرِي فَإِنَّكِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُحِبُّكِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَأُنْزِلَ  بَرَاءَتُكِ مِنَ السَّمَاءِ. وتضمنت هذه الفائدةَ الآياتُ (11- 17) من السورة.
14.                      أنّ كلّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ورَمَى أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِشَيْءٍ مِنَ الْفَاحِشَةِ، له نَصِيبٌ عَظِيمٌ مِنَ الْعَذَابِ، لقوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} (النور: 11).
15.                      أن من يبتدئ القول السيئ، ومن يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَيُذِيعُهُ وَيُشِيعُهُ أشدّ وعيدًا وعقوبة من غيره، {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: 11).
16.                      من الظن الواجب حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام (أي: الإفك الباطل)، أن يبرئه بلسانه، ويكذِّبَ القائل لذلك، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (النور: 12).
17.                      تعظيم حرمة عرض المسلم؛ بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق، لقوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النور: 13).
18.                      تحريم  التكلّم بالباطل، والقول بلا علم، قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} (النور: 15).
19.                      الزجر البليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئُا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى، قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15).
20.                      تنزيه الله تعالى من كل سوء، وعن أن يبتلي أصفياءه بالأمور الشنيعة، قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} (النور: 16).
21.                      الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات، قال تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (النور: 17).
22.                      إثبات اسمي (العليم) و(الحكيم) لله عزّ وجلّ، المتضمّنَين لصفة العلم والحُكْم والحكمة، قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النور: 18).
23.                      الوعيد الشديد لمن يحبون أن تشتهر الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة في المؤمنين، وذلك لغشهم لإخوانهم المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءتهم على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (النور: 19).
24.                      رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (النور: 19).
25.                      من فضل الله عزّ وجلّ على المؤمنين ورحمته بهم أن بيّن لهم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، وأن أمهل من خالف أمره، وأن آثر لهم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن يحصوه، أو يعدوه، قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (النور: 20).
26.                      من حكمته تعالى أن يبيّن لعباده الحكم مقرونا بحكمته، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ والمنكر} (النور: 21) فبيّن الحكم وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان، والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه.
27.                      أنّ التزكية إنما تحصل للعبد بفضل الله ورحمته، وتقع بمشيئته التابعة لعلمه سبحانه،  قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (النور: 21).
28.                      معرفة المتقي أن توفيقه للتقوى وتزكية النفس إنما هي بمشيئته الله وفضله ورحمته فيه طرد للعُجب الذي قد يصيب المرء إذا لم يلاحظ هذا المعنى، قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (النور: 21).
29.                      فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واستجابته للقرآن، فإنه كان من جملة الخائضين في الإفك "مسطح بن أثاثة" وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرًا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال، فنزلت: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة} الآية (النور: 22)، ينهاه عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله إن غفر له، فقال: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: بلى، والله، إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح.
30.                      النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان،  قال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} (النور: 22).
31.                      الوعيد الشديد على رمي المحصنات الغافلات المؤمنات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (النور: 23) واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير.
32.                      عدل الله عزّ وجلّ في عباده، أن جعل شهودهم من أنفسهم، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النور: 24).
33.                      قدرة الله عزّ وجلّ العظيمة في إنطاق جوارح الإنسان يوم القيامة، فتشهد عليه بما عمل، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}  (النور: 24).
34.                      أنّ الله تعالى هو الحقّ المبين، فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله وما من الله،  قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور: 25).
35.                      كلُّ خبيثٍ من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسبٌ للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكلُّ طيّبٍ من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسبٌ للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (النور: 26).
36.                      أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم، خصوصًا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كلُّ طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح، قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (النور: 26).
37.                      فضيلة الاستئذان، وكونه من مكارم الأخلاق الواجبة، لاشتماله على عدة مصالح، قال تعالى: {ذلكم خيرٌ لكم لعلكم تذكرون} (النور: 27).
38.                      تحريم دخول البيوت التي ليست ملكًا للإنسان من غير استئذان، لقوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} (النور: 27).
39.                      رفع الحرج عن دخول البيوت التي ليست ملكًا للإنسان، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن،  قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} (النور: 28).
40.                      إحاطة علم الله عزّ وجلّ بأحوال العباد الظاهرة والخفية، وعلمه بمصالحهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (النور: 29).
41.                      وجوب غضّ الأبصار وحفظ الفروج على المؤمنين، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (النور: 30).
42.                      من حفظ فرجه وبصره طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ومن غض بصره عن المحرم أنار الله بصيرته، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} (النور: 30).
43.                      جواز النظر في بعض الأحوال لحاجة، كنظر الشاهد والعامل والخاطب، ونحو ذلك، ويؤخذ هذا من استعمال الأداة (من) الدالة على التبعيض، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم} (النور: 30).
44.                      وجوب غضّ الأبصار وحفظ الفروج على المؤمنات، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31).
45.                      تحريم إبداء المرأة المسلمة زينتها، من الثياب الجميلة والحلي وجمع البدن كله من الزينة، لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} (النور: 31).
46.                      رفع الحرج عن المرأة في إبداء الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31).
47.                      وجوب كمال الاستتار على المرأة المسلمة، لقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31).
48.                      يجوز للرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة النظر للنساء، كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة لا في فرجه ولا في قلبه، فإن هذا لا محذور من نظره، لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (النور: 31).
49.                      يجوز للأطفال الذين دون التمييز أن ينظروا للنساء الأجانب، وذلك لأنهم ليس لهم علم بعورات النساء، ولا وُجدت فيهم الشهوة بعد، قال تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (النور: 31).
50.                      أن الطفل المميز تستتر منه المرأة؛ لأنه يظهر على عورات النساء، دلّ على ذلك مفهوم المخالفة من قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (النور: 31).
51.                      في السورة تأصيل لقاعدة سدّ الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحًا ولكنه يفضي إلى محرم، أو يُخاف من وقوعه فإنه يُمنع منه، يؤخذ هذا من قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور: 31) فالضرب بالرجل في الأرض الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة مُنع منه.
52.                      أنّ كلّ مؤمن يحتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب بها المؤمنين جميعًا، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} (النور: 31).
53.                      الحث على الإخلاص بالتوبة، لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ} (النور: 31)، أي: لا لمقصد غيره وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة.
54.                      أنّه لا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).
55.                      أنه يجب على الأولياء والأسياد إنكاح من تحت ولايتهم ممن لا أزواج لهم من الرجال والنساء الثيب والأبكار، من يحتاج للزواج منهم، لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (النور: 32).
56.                      الحثّ على التزوج، ووعد المتزوج بالغنى بعد الفقر، قال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور: 32).
57.                      وجوب الاستعفاف على العاجز عن النكاح، وذلك بأن يكف عن المحرّم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} (النور: 33).
58.                      وعد الله للمستعفف أنه سيغنيه وييسر له أمره، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور: 33).
59.                      أمر السيد بمكاتبة من ابتغى الكتابة من عبيد وإماء، بشرط أن يعلم فيهما قدرة على التكسب، وصلاحًا في الدين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (النور: 33).
60.                      قبح أحوال الجاهلية من كون السيد يجبر أمته على البغاء ليأخذ منها أجرة ذلك، {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النور: 33).
61.                      أن كسب النزاهة والنظافة والمروءة بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها أفضل من كسب العرض القليل، الذي يكسب الرذالة والخسة، قال تعالى: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النور: 33).
62.                      أنّ المتقين هم الذين ينتفعون بالموعظة، فينكفون عما يكره الله إلى ما يحبه الله، قال تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (النور: 34).
63.                      أنّ الله عزّ وجلّ هو نور السماوات والأرض حسًا ومعنى، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور، وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر والنور والجنة، وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 35).
64.                      أنّ الإيمان والمعرفة في قلوب المؤمنين نور، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 35).
65.                       عظم نور الهداية والإيمان في قلب المؤمن، قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} (النور: 35).
66.                      من لطف الله بعباده وإحسانه إليهم ضرب الأمثال، فإن فيها تقريب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علمًا واضحًا، قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} (النور: 35).
67.                      أنّ ضرْبَ اللهِ للأمثالِ ضرْبَ مَن يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فعلى العباد أن يشتغلوا بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون، قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النور: 35).
68.                      أن نور الإيمان والقرآن أكثر وقوع أسبابه في المساجد، يؤخذ هذا من التناسب بين قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية (النور: 35)، وبين الآية بعدها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (النور: 36).
69.                      فضل المساجد، وأنها أحبّ البقاع إلى الله، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه} (النور: 36).
70.                      الأمر برفع المساجد، وذكر اسم الله فيها، ويدخل في هذين مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها: بناؤها، وكنسها، وتنظيفها، وصونها عن المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله، ويدخل في اسم اسم الله فيها الصلاة كلها، وقراءة القرآن، والتسبيح والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلّم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها والاعتكاف، وغير ذلك، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه} (النور: 36).
71.                      أن عمارة المساجد على قسمين: عمارة بنيان وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه} (النور: 36).
72.                      فضل الذكر خاصة في أول النهار وآخره، قال تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (النور: 36).
73.                      لا محذور على مَن اتجر وباع واشترى، ولكن يُمدح الرجال إذا  كانوا لا يقدّمون هذه التجارة وهذا البيع على طاعة الله وعبادته، قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} (النور: 37).
74.                      أنّ من خاف يوم القيامة سهل عليه العمل، وترك ما يُشغل عنه، لقوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 37).
75.                      الإخبار ببطلان أعمال الكفار، وذهابها سدى، وتحسّر عامليها منها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور:39- 40).
76.                      بيان عظمة الله تعالى، وكمال سلطانه، وافتقار جميع المخلوقات له في ربوبيتها وعبادتها، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (النور: 41).
77.                      كمال قدرة الله تعالى، ونفوذ مشيئته، وسعة رحمته، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (النور: 43).
78.                      أنّ الله تعالى خلق جميع الدوابّ من مادة واحدة وهي الماء، مع أن المخلوقات مختلفة من وجوه كثيرة، فاختلاف هذه المخلوقات مع أنّ الأصل واحد يدل على نفوذ مشيئة الله، وعموم قدرته، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (النور: 45).
79.                      عمّم الله البيان التام لجميع الخلق، وخصّص بالهداية من يشاء، فهذا فضله وإحسانه، وذاك عدله، قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النور: 46).
80.                      أن الإيمان ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (النور: 47).
81.                      العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحبّ ويكره، وفيما يسرّه ويحزنه، وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه، وينبذه عند مخالفته، ويقدم الهوى على الشرع، فليس بعبد على الحقيقة، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} (النور: 47- 49).
82.                      أن من لم ينقد لحكم الله ورسوله في كل حال دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} (النور: 48- 50).
83.                      وجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، لقوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور: 51).
84.                      تحريم إساءة الظنّ بأحكام الشريعة، وأن يُظّن بها خلاف العدل والحكمة، قال تعالى: {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (النور: 50).
85.                      لا سبيل لحصول الهداية إلى الصراط المستقيم قولًا وعملًا إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدون ذلك لا يمكن، بل هو محال، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور: 54).
86.                      مهما قامت الأمة بالإيمان والعمل الصالح فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله من: الاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55).
87.                      أنّ تسليط الكفار والمنافقين على المسلمين أحيانًا يكون بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55).
88.                      من أراد رحمة الله فهذا طريقها: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول، فمن رجاها من دون ذلك فهو متمنّ كاذب، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النور: 56).
89.                      النهي عن الاغترار بما مُتّع به الكفار في الحياة الدنيا، فإن الله وإن أمهلهم قليلًا، فإنه لا يهملهم، قال تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (النور: 57).
90.                      أن السيد وولي الصغير، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد، العلم والآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} الآية (النور: 58)، ولا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب، ولقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} (النور: 58).
91.                      جواز استخدام الإنسان من تحت يده، من الأطفال على وجه معتاد، لا يشق على الطفل، لقوله: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} (النور: 58).
92.                      رفع الإثم في وضع الخمار ونحوه عن القواعد من النساء اللاتي لا يطمعن في النكاح، ولا يُطمع فيهنّ، بشرط عدم التبرّج بزينة، قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} (النور: 60).
93.                      ترغيب القواعد من النساء في الاستعفاف في هذه الحال، قال تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} (النور: 60).
94.                      في السورة دليل لقاعدة: "أنّ العرف والعادة مخصص للألفاظ، كتخصيص اللفظ  اللفظ للفظ" فإن الأصل أن الإنسان ممنوع من تناول طعام غيره، مع أن الله أباح الأكل من بيوت هؤلاء للعرف والعادة، فكل مسألة تتوقف على الإذن من مالك الشيء، إذا علم إذنه بالقول أو العرف، جاز الإقدام عليه، قال تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} (النور: 61).
95.                      أن الأب يجوز له أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره، لأن الله سمّى بيته بيتًا للإنسان، قال تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} (النور: 61).
96.                      جواز المشاركة في الطعام، سواء أكلوا مجتمعين، أو متفرقين، ولو أفضى ذلك إلى أن يأكل بعضهم أكثر من بعض، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} (النور: 61).
97.                      مشروعية السلام عند دخول البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، لقوله: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (النور: 61)، حيث جاءت لفظة (بيوتًا) نكرة في سياق الشرط، فتشمل جميع البيوت.
98.                      وجوب الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (النور: 62)، وقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور: 63).
99.                      أن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم من موجبات الإيمان، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (النور: 62).
100.                التحذير الشديد من تعمّد مخالفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَلْيَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63).




أهم المراجع:
"جامع البيان" لابن جرير الطبري.
"معالم التنزيل" للبغوي.
"تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير.
"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان" للعلامة السعدي.