الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

أصول عظيمة اشتملت عليها الآية (65) من سورة مريم



قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (مريم: 65)


اشتملت على أصول عظيمة:

1-           على توحيد الربوبية، وأنّه تعالى ربّ كلِّ شيء وخالقه ورازقه ومدبّره.

2-           وعلى توحيد الألوهية والعبادة، وأنه تعالى الإله المعبود.

3-           وعلى أنّ ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده، ولهذا أتى بالفاء في قوله: {فاعبده} الدالة على السبب، أي فكما أنّه ربّ كل شيء؛ فليكن هو المعبود حقًا فاعبده.

4-           ومنه الاصطبار لعبادته تعالى، وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى، فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر وهو:

أ‌)                  الصبر على الواجبات والمستحبات

ب‌)          والصبر عن المحرّمات والمكروهات

ت‌)          بل يدخل في ذلك الصبر على البليات، فإن الصبر عليها، وعدم تسخطها، والرضى عن الله بها من أعظم العبادات الداخلة في قوله: {واصطبر لعبادته}.

5-           واشتملت على أنّ الله تعالى كامل الأسماء والصفات، عظيم النعوت، جليل القدر، وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي، بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات.

6-           ودلّ على أنّ هذا أكبر الأدلة على أنه الذي لا تنبغي العبادة الظاهرة والباطنة، القلبية والبدنية والمالية إلا لوجهه الكريم خالصة مُخلصَة، كما خَلُصَ له الكمال والعظمة والكبرياء والمجد والجلال.

7-           ومنها بطلان الشرك عقلًا ونقلًا، فكيف يليق بالعاقل أن يجعل المخلوق الناقص الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا نِدًّا لمن لا كُفء له ولا سمي ولا مشابه بوجه من الوجوه، فهل هذا إلا من السفه والضلال والجهل المفرط والضرر من كل الوجوه!!

8-           ودلت على أنّ الشرك قد تقرّر في العقل قبحه، وأنّ التوحيد قد تقرّر في العقل حسنه، فكما لا سميّ لله فلا أحسن من عبادته وإخلاص العمل له، ولا أنفع للعبد من ذلك ولا أصلح ولا أزكى. ومن المتقرر شرعًا أن الإحسان في عبادة الله تعالى الذي هو سبب كل خير عاجل وآجل، بل سبب لأعلى المراتب وأكمل الثواب، هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فكلما حقق العبد هذا الأمر كان له نصيب وافر من العبادة، بل هو أهم الأمور، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يسأل الله تعالى أن يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته، وهذا أمر يقل من الخلق من يحققه ويتصف به على وجه الكمال، لمشقة ذلك على النفوس، فإذا امتثل العبد لأمر ربه بالاصطبار لعبادته، وحبس النفس وتوطينها على إحسان العبادة، خصوصًا أفضل العبادات وأعظمها، وهي الصلاة، كما أمر الله بالاصطبار عليها خصوصًا فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132) استنار قلبه بالإيمان، وباشر حلاوته، فانجذب إلى عبادة الله وإخلاص العمل له، وعلم أنّ هذا هو الفلاح الدايم، والربح المتضاعف الذي لا خسارة فيه، فصبّر نفسه قليلًا ليستريح بأعظم اللذات طويلًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.



المرجع:
"المواهب الربّانية من الآيات القرآنية" للعلامة السعدي رحمه الله.
ص60- 62.