الجمعة، 19 يوليو 2013

أولياء الله وأولياء الشيطان

بسم الله الرحمن الرحيم

أولياء الله وأولياء الشيطان
هذه وقفة مع قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}
وهي جزء من محاضرة "آداب طالب العلم" لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، ألقاها يوم الأربعاء (9 – 4- 1430هـ) في "الجامعة الإسلامية" بالمدينة.
يقول -حفظه الله-:
أحب أن أعرّج على بيان آية من كتاب الله، فيها بشرى للمؤمن ووعد له بالخير، وفيها تحذير لغير المؤمن ليعود إلى الصواب والهدى، يقول الله -جلّ وعلا-:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 257).
أخي لنقف قليلاً تدبرًا لهذه الآية، وتعقلاً لمعناها ونظرًا لمدلولها وما تقتضيه.
أخبرنا ربُّنا وهو أصدق القائلين أنه ولي الذين آمنوا، أنه ولي أولئك الذين أيقنت قلوبهم، صدّقوا بقلوبهم، ونطقت ألسنتهم، وعملت جوارحهم. أولئك المستجيبين لله ورسوله، السامعين المطيعين، المنقادين، القائلين سمعنا وأطعنا غفرانك ربَّنا وإليك المصير، أن الله وليهم، ومن كان الله وليَّه فهل يخاف؟!
الله وليُّهم ولاية تقتضي هدايته لهم، وتبصريهم وشرح صدروهم للخير، ليقبلوا هدى الله وليرضوا بالإسلام وليطمئنوا إليه.
 ولاية من لوازمها شرح صدره للإيمان، {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} (الزمر: 22).
ولاية تجعله يقتنع بهذه الشريعة، ويحبها ويرضاها، ويطمئن إليها، ويكون حبُّها في سويداء قلبه، لأن الله وليُّه {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات: 7).
 ولاية تجعله في أمن من مكائد الشيطان، وغواية الشيطان، تؤمنه من مكائد الشيطان، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} (النساء: 113)، { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83).
ولاية من مقتضاها ثبات المؤمن على إيمانه، واستقامته على منهجه، وبقاؤه على النور والهدى الذي عرفه، يقول الله لنبيه: { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} (الإسراء: 74-75).
ولاية تجعله يغار على هذا الدين، ويضحي بكل غالٍ ونفيس في سبيل نصرة هذا الدين، وإعزاز كلمة الله، وإعلاء شأنه، {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: 76).
وليُّ الله الذي امتلأ قلبه إيمانًا؛ فصارت محبته لله فوق محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين.
ولاية الله له تجعله عزيزًا بدينه، يَفخر به ويستعزّ به، ويحمد الله دائمًا عليه، قال الله –جلّ وعلا- عنهم بأنهم قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (الزمر: 74)، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف: 43).
ولاية تجعل المسلم بصيرًا في أمر دينه، لا تُغويه الشبه، لا تخدعه الشبه، ولا تُغويه الشهوات، ولا تزعزعه عن عقيدته محبة الدنيا والطمع فيها، بل هو على منهج قويم، وطريق مستقيم؛ عرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فاجتنبه، عرف طريق الهدى فسار إليه، وعرف طريق الغواية فانصرف عنه.
إنّه على بصيرة ونور من أمره، لا تلتبس عليه الأمور، ولا تغيره الأحداث، بل هو يزداد في طول الزمن قوة في الإيمان، وبصيرة في العقيدة؛ فهو على بينه من ربّه، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: 17) فإنّ المؤمن على بينة وبصيرة من أمره في كلّ أحواله؛ لأن الله وليُّه، هداه واجتباه، واصطفاه واختاره، وهداه للإسلام، فيا لها نعمة! ويا له فضل!
قال الله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أولياء الله، الله -جلّ وعلا- يخرجهم بهذه الولاية من الظلمات، من ظلمات الجهالة إلى نور العلم، من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، من ظلمات الشبهات والتخبط في الضلالات إلى الطريقة الواضحة المستقيمة التي لا اعوجاج لها، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 7) يخرجهم من الظلمات، من كل الظلمات والشبهات؛ فلا تلتبس الحقائق عليهم، ولا يتغير الأمر عليهم.
وقد ذمّ الله مَن خالف ذلك بقوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} (فاطر: 8) فإن المسلم خلاف ذلك، ظلمات المعاصي يخرج منها بولاية الله له؛ فيفتح الله على قلبه، ويتوب إلى الله من ذنبه، ويستغفر الله من خطئه وزلـله، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (آل عمران: 135).
وعكس أولئك قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} أولياؤهم الشياطين يخرجونهم من نور العلم إلى الجهل، ومن نور التوحيد إلى ظلمات الشرك والشكوك، ومن نور الاتفاق والاجتماع إلى ظلمات الفرقة والاختلاف، ومن نور الهدى والبصيرة إلى ظلمات الشبهات والتخبط في الضلالات، لا يدري أين يسير وإلى أين يذهب.
وقد بين -جلّ وعلا- عداءَ الشيطان لابن آدم، قال -جلّ وعلا-: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام: 121)، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} فأولياء الشيطان يتلقون التوجيهات من شياطين الجن والإنس، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، ليجادلوكم بالباطل، ويردّوا عليكم الحق؛ طاعة لإخوانهم الشياطين، {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأعراف: 30) اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، فقبلوا ما أملته عليهم شياطين الإنس والجنّ. إن شياطين الجنّ لا نراهم، {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 27).
ولكن شياطين الجن والإنس بينهم القاسم المشترك، بينهم الروابط الوثيقة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (الأعراف: 112) إنّ أولياء الشيطان تنطق ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم من الخبث والبلاء والعداء لهذا الدين ومستقبله، قال –جلّ وعلا-: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد: 30) وإن أخفوا، فإنّ الله مُطْلِعٌ سريرةَ كلِّ عبد. مَن أسر سريرة ألبسه الله رداءها علانية، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
فعلى المسلم أن يلتجئ الله، ويسأل الله أن يكون من أوليائه المتقين، وعباده الصالحين، {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس: 62-64).
إنّ ما نسمع من كلمات سيئة، وما نسمع من مقالات خبيثة، وما نسمع من عداء للإسلام فإنما هو من تكالب الشياطين على الإسلام وأهله، ومن عدائهم المشترك بينهم، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120)  وإذا خرج الإنسان عن ولاية الرحمن قادته الشياطين إلى كلِّ بلاء، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} (مريم: 83)، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف: 36- 37) هكذا الشياطين يصدّون ابن آدم؛ حتى يظن أنه على الحق وهو على الباطل، ويرى أنه مهتدٍ وهو ضال، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف: 103- 104).
فالحذر الحذر من طاعة أعداء الله، والحذر الحذر من الإصغاء إلى الشبهات والضلالات التي يحملها أعداء الإسلام، وقد يتسمى بالإسلام خداعًا لأهل الإسلام ونفاقًا، ويأبى الله إلا أن يهتك ستره، ويكشف غايته، ويستبين للملأ ما هو عليه من عداءٍ لهذا الدين، نسأل الله السلامة والعافية، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 3).