الجمعة، 12 يوليو 2013

ففيهما فجاهد



ففيهما فجاهد
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال:  جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد. فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد"[1].
في هذا الحديث العظيم عدة وقفات:
أولاً-  أنّ برّ الوالدين يعادل الجهاد في سبيل الله، لأن معنى قوله: "ففيهما فجاهد" أي إن كان لك أبوان فأبلغ جهدَك في برّهما والإحسان إليهما؛ فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدوّ"[2].
وسُمّي إتعاب النفس في القيام بمصالح الأبوين، وإزعاجهما الولد في طلب ما يحتاجانه من حوائج وبذل المال في قضاء حوائجهم جهادًا من باب المشاكلة، فقال: "ففيهما فجاهد" لأنه جاء يسأل عن الجهاد.
ثانيًا - أنّ حق الوالدين مقدّم على الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، لأن الجهاد في الأصل فرض كفاية، إلا في حالات، أما برّ الوالدين فهو فرض عين في جميع أحواله.
وعليه فلا يجوز للإنسان أن يخرج للجهاد الشرعي المنضبط بضوابط الشريعة ويترك والديه، خصوصًا إذا كانا بحاجة إلى وجوده عندهما، وقيامه بمصالحهما، وإذا كان هذا في الجهاد الشرعي الصحيح البيّن فكيف بدعاوى الجهاد؟! وكيف بما ليس بجهاد؟! كمن خرج إلى سفر مباح، فلا يليق بحق الوالدين أن يذهب بدون أن يستأذنهما.
قال الحسن البصرى: "إذا أذنت له أمُّه في الجهاد وعلم أن هواها أن يجلس، فيجلس"[3].
ثالثًا- أنّ المسلم إذا أراد الجهاد يجب أن يستأذن وليَ الأمر، فهذا الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ولي الأمر في ذلك الزمان- يستأذنه، وهذا هو نظام الإسلام في الجهاد.
رابعًا- بيان حظ الصحابة –رضي الله عنهم- في الإسلام، وعظم فضلهم ومكانتهم، وحرصهم على أن يأتوا بالعبادات الشرعية على الوجه الصحيح الذي يحبه الله تعالى، وليس بالعاطفة والهوى.
فكانوا لا يقدمون على عبادة إذا كانوا يجهلونها أو يجهلون بعض أحكامها الشريعة حتى يسألوا عن ذلك ويستفصلوا، فيستمعون ويستسلمون لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، ولو خالفت هواهم وعاطفتهم. لتقع العبادة موقعها الشرعي، وهذا هو الواجب على المسلمين[4].
والله المستعان ومنه التوفيق.



[1]  متفق عليه، "صحيح البخاري" (كتاب الجهاد والسير/ باب الجهاد بإذن الأبوين/ 3004)، "صحيح مسلم" (كتاب البرّ والصلة والأدب/ باب برّ الوالدين وأيهما أحق به؟/2549 ).
[2]  انظر "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.
[3]  انظر "شرح صحيح البخاري" لابن بطال.
[4]  "شرح بلوغ المرام" للانتساب المطور. الدكتور طارق العودة.