الجمعة، 13 سبتمبر 2013

الفهم في العلم


بسم الله الرحمن الرحيم
الفهم في العلم
ذكر الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ من آداب طالب العلم:
"الحرص على فهم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم"
وقال في توضيح هذه النقطة:
"من الأمور المهمة في طلب العلم قضية الفهم، أي فهم مراد الله عزّ وجلّ، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كثيرًا من الناس أوتوا علمًا ولكن لم يؤتوا فهمًا. لا يكفي أن تحفظ كتاب الله وما تيسر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون فهم. لا بد أن تفهم عن الله ورسوله ما أراده الله ورسوله، وما أكثر الخلل من قوم استدلوا بالنصوص على غير مراد الله ورسوله؛ فحصل بذلك الضلال.
وهنا أنبّه على نقطة مهمة ألا وهي: أن الخطأ في الفهم قد يكون أشد خطرًا من الجهل؛ لأن الجاهل الذي يخطئ بجهله يعرف أنه جاهل ويتعلم، لكن الذي فهم خطأ يعتقد في نفسه أنه عالم مصيب، ويعتقد أن هذا هو مراد الله ورسوله.
ولنضرب لذلك بعض الأمثلة ليتبين لنا أهمية الفهم:
المثال الأول: قال الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء الآيتان: 78، 79) .
فضَّل الله -عزّ وجلّ- سليمان على داود في هذه القضية بالفهم {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ولكن ليس هناك نقص في علم داود {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.
وانظر إلى هذه الآية الكريمة لما ذكر الله -عزّ وجلّ- ما امتاز به سليمان من الفهم، فإنه ذكر أيضًا ميزة داود عليه السلام، فقال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ}. وذلك حتى يتعادل كل منهما، فذكر الله تعالى ما اشتركا فيه من الحكم والعلم ثم ذكر ما امتاز به كلُّ واحد منهما عن الآخر.
وهذا يدلنا على أهمية الفهم، وأن العلم ليس كل شيء.
المثال الثاني: إذا كان عندك وعاءان أحدهما فيه ماء ساخن دافئ، والآخر فيه ماء بارد قارس، والفصل فصل الشتاء، فجاء رجل يريد الاغتسال من الجنابة، فقال بعض الناس: الأفضل أن تستخدم الماء البارد؛ وذلك لأن الماء البارد فيه مشقة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره...))[1] الحديث.
يعني إسباغ في أيام البرد، فإذا أسبغت الوضوء بالماء البارد كان أفضل من أن تسبغ الوضوء بالماء المناسب لطبيعة الجو.
فالرجل أفتى بأن استخدام الماء البارد أفضل، واستدل بالحديث السابق.
فهل الخطأ في العلم أم في الفهم؟
الجواب: أن الخطأ في الفهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إسباغ الوضوء على المكاره» ولم يقل: أن تختار الماء البارد للوضوء، وفرق بين التعبيرين. لو كان الوارد في الحديث التعبير الثاني لقلنا: نعم، اختر الماء البارد. ولكن قال: «إسباغ الوضوء على المكاره». أي أن الإنسان لا يمنعه برودة الماء من إسباغ الوضوء.
ثم نقول: هل يريد الله بعباده اليسر أم يريد بهم العسر؟
الجواب: في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: الآية 185) وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدين يسر»[2].
فأقول لطلبة العلم: إن قضية الفهم قضية مهمة، فعلينا أن تفهم ماذا أراد الله من عباده؟ هل أراد أن يشق عليهم في أداء العبادات أم أراد بهم اليسر؟!
ولا شك أنّ الله -عزّ وجلّ- يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر".

المرجع
"كتاب العلم" للشيخ ابن عثيمين. ط1- دار الثريا: الرياض، 1420ه ص53 - 55



[1]  "صحيح مسلم" (كتاب الطهارة/ باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره).
[2]  "صحيح البخاري" (كتاب الإيمان/ باب الدين يسر).