عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
"أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ،
وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ"[1].
قال الشوكاني –رحمه الله- (ت 1250) في تعليقه على هذا الحديث في
"نيل الأوطار":
قوله:
"لا تدع تمثالاً إلا طمستَه" فيه أمرٌ
بتغيير صور ذوات الأرواح.
قوله:
"ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سوّيتَه" فيه
أن السنّة أن القبر لا يُرفع رفعًا كثيرًا، من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير
فاضل .
ومن
رفْع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوليًا القُبَبُ والمشاهدُ المعمورة على القبور،
وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فاعلَ ذلك[2].
وكم
قد سرى من تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام!! منها:
اعتقاد
الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وأعظم من ذلك؛ فظنوا أنها قادرة على جلب النفع
ودفع الضرر؛ فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج، وملجأً لنجاح المطالب، وسألوا منها
ما يسأله العباد من ربِّهم، وشدّوا إليها الرِّحال، وتمسحوا بها، واستغاثوا، وبالجملة
إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه
راجعون!
ومع
هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حميّةً للدين الحنيف، لا
عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا.
ولقد
توارد إلينا من الأخبار ما لا يُشكّ معه أنّ كثيرًا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا
توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرًا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك
الولي الفلاني تلعثم وتلكّأ وأبى واعترف بالحق! وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن
شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة!
فيا
علماء الدّين! ويا ملوك المسلمين!
أيُّ رِزءٍ للإسلام أشدُّ من الكفر؟!
وأيُّ بلاءٍ لهذا الدّين أضرُّ عليه من عبادةِ غير الله؟!
وأيُّ مصيبةٍ يُصاب بها المسلمون تعدلُ هذه المصيبة؟!
وأيُّ منكرٍ يجب إنكارُه إن لم يكن إنكارُ هذا الشرك البيِّنِ واجبًا؟!
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا ... ولكن لا حياةَ لمن
تنادي
ولو نارًا نفختَ بها أضاءتْ ... ولكن أنتَ تنفخُ
في رماد[3].
قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- بعد نقله لكلام الشوكاني:
"وقد
زاد البلاء بعده، وصار أشدّ مما وصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ
العظيم"[4].
[1] "صحيح
مسلم" (كتاب الجنائز/ باب الأمر بتسوية القبر/ 969).
[2] عن عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ:
لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ
عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بها كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:«لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».
يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. متفق عليه، وهو في "صحيح البخاري (كتاب الصلاة/
الباب الذي يلي باب الصلاة في البيعة/ 435) ، وفي "صحيح مسلم" (كتاب
المساجد/ باب النَّهْىِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَاتِّخَاذِ الصُّوَرِ
فِيهَا وَالنَّهْىِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ/ 531).
[3] "نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار" للإمام الشوكاني رحمه الله. (باختصار).