أقسام
الناس في كتمان ما أنزل الله:
القسم الأول: من يكتم
العلم بخلاً به، ومنعاً لانتفاع الناس به. وهو المذكور في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا
فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 159- 160).
والقسم الثاني: من يكتم
العلم، ولا يبينه إلا لغرض دنيوي من مال، أو جاه، أو رئاسة، أو غير ذلك. يبين لكن
لا لله، ولكن للدنيا.
كما كتم اليهود صفة النبي صلى الله عليه وسلم لتبقى رئاستهم، أو
إنسان مثلاً قال قولاً ثم تبين له أن الحق بخلافه، ثم كتم الحق يظنّ بنظره القاصر
أنه إذا رجع عن قوله الأول انحطت مرتبته عند الناس، هذا أيضًا كتم ليشتري ثمنًا
قليلاً وهو الجاه. وهو المذكور في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ
لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ} (هود:
15- 16).
والقسم الثالث: من يكتم
العلم بخلاً به، ولا يبينه إلا لغرض دنيوي؛ فيجمع بين الكتم والشراء، وهذا شرّ الأقسام، وهو المذكور في قوله
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ
مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ
عَلَى النَّارِ} (البقرة: 174- 175).
أما من أظهر العلم لله، وتعلم لله، فهذا هو خير الأقسام؛ وهو القسم الرابع الذي يبين بلسانه، وحاله، وقلمه، ما أنزل الله عز
وجل.
والذي يكتم خوفاً إذا كان سيبيّن في موضع آخر فلا بأس؛ أما الذي يكتم
مطلقاً فهذا لا يجوز؛ فيجب أن يبين ولو قُتل ــــ إذا كان يتوقف بيان الحق على ذلك
ــــ، كما جرى لبعض أهل السنة الذين صبروا على القتل في بيانها لتعينه عليهم.
ينظر "تفسير القرآن الكريم" لابن عثيمين. (2/ 262- 263) مع
التسجيل الصوتي من موقع مؤسسة الشيخ رحمه الله.