الأولى- ثلاث فوائد في تصدير الخطاب بالنداء وبوصف الإيمان في
القرآن الكريم
1-
تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادَى.
وكلُّ من دُعي إلى شيء بأداة تقتضي الانتباه فهو يدلّ على أهمية المدعو إليه.
2-
ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أنّ تنفيذ هذا الحكم إن كان حكمًا من مقتضيات
الإيمان، وأنّ تصديقه إن كان خبرًا من مقتضيات الإيمان. ففيه الإغراء بالامتثال، كما تقول: "يا
أيها الكريم قد نزلتُ بك ضيفًا".
3-
وأيضًا في النداء بوصف الإيمان دليل على أنّ مخالفة الحكم أو تكذيب الخبر نقص في
الإيمان، قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إذا سمعتَ الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} فأرعها
سمعَك، فإنه خير يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه".
مثال:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[1].
من
فوائد الآية:
1-
أهمية القصاص، لأنّ الله وجه الخطاب به إلى المؤمنين، وصدّره بالنداء المستلزم
للتنبيه.
2-
أنّ تنفيذ القصاص من مقتضى الإيمان، لأن الخطاب موجه للمؤمنين.
3-
أنّ ترك تنفيذه نقص في الإيمان، فما كان من مقتضى الإيمان تنفيذه فإنه يقتضي نقص
الإيمان بتركه[2].
الثانية- ضمير الفصل له ثلاث فوائد: التوكيد، والحصر، والفصل.
ضمير
الفصل هو حرف بصيغة ضمير الرفع المنفصل، يقع بين المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين.
ويكون
بــ:
1. ضمير المتكلم كقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا}[3]،
وقوله {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[4].
2. وضمير المخاطب، كقوله تعالى: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم}[5].
3. وضمير الغائب، كقوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون}.
وله ثلاث فوائد:
الأولى-
التوكيد، فإن قولك: "زيدٌ هو أخوك"
أوكد من قولك: "زيدٌ أخوك".
الثانية-
الحصر، وهو اختصاص ما قبله بما بعده، فإنّ
قولك: "المجتهد هو الناجح" يفيد اختصاص المجتهد بالنجاح.
ثالثًا-
الفصل،
أي التمييز بين كون ما بعده خبرًا ، أو تابعًا، فإن قولك: "زيدٌ الفاضل"
يحتمل أن تكون (الفاضل) صفةً لـ(زيد)، والخبر منتظَر، ويحتمل أن تكون (الفاضل) خبرًا،
وإذا قلت: "زيد هو الفاضل"، تعين أن تكون (الفاضل) خبرًا، لوجود ضمير الفصل[6].
الثالثة- يجوز أن يُستعمل اللفظ المشترك في جميع معانيه إذا لم يكن
بينها تضاد، وكان اللفظ صالحًا لها، كما نحمل العام بالاتفاق على جميع أفراده.
مثال:
قوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}[7].
الأمر
في قوله {كلوا} للامتنان والإباحة، ويكون للوجوب إن كان الهلاك أو الضرر بترك
الأكل، ويكون للاستحباب إذا كان فيه مصلحة كالسحور، والأكل مع الضيف للإيناس[8].
الرابعة- إن "كان" تأتي أحياناً مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقق
اتصاف الموصوف بهذه الصفة؛ ومن ذلك
قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا}[9] وقوله تعالى: {وكان الله عزيزًا حكيماً}[10]
، وقوله تعالى: {وكان الله سميعًا بصيرًا}[11]، وما أشبهها؛ هذه ليس المعنى أنه كان فيما مضى؛ بل لا يزال؛ فتكون
{كان} هنا مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملة. ومثله قوله تعالى عن إبليس: {وكان من الكافرين}.
وقد زعم بعض العلماء أن
المراد بـ: {كان من الكافرين} في علم الله بناءً على أن{كان} فعل ماضٍ؛ والمضي يدل
على شيء سابق.