الجمعة، 14 نوفمبر 2014

قواعد مفيدة في تفسير القرآن (متجدد)

الأولى- ثلاث فوائد في تصدير الخطاب بالنداء وبوصف الإيمان في القرآن الكريم
1- تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادَى. وكلُّ من دُعي إلى شيء بأداة تقتضي الانتباه فهو يدلّ على أهمية المدعو إليه.
2- ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أنّ تنفيذ هذا الحكم إن كان حكمًا من مقتضيات الإيمان، وأنّ تصديقه إن كان خبرًا من مقتضيات الإيمان.  ففيه الإغراء بالامتثال، كما تقول: "يا أيها الكريم قد نزلتُ بك ضيفًا".
3- وأيضًا في النداء بوصف الإيمان دليل على أنّ مخالفة الحكم أو تكذيب الخبر نقص في الإيمان، قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إذا سمعتَ الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} فأرعها سمعَك، فإنه خير يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه".
مثال: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[1].
من فوائد الآية:
1- أهمية القصاص، لأنّ الله وجه الخطاب به إلى المؤمنين، وصدّره بالنداء المستلزم للتنبيه.
2- أنّ تنفيذ القصاص من مقتضى الإيمان، لأن الخطاب موجه للمؤمنين.
3- أنّ ترك تنفيذه نقص في الإيمان، فما كان من مقتضى الإيمان تنفيذه فإنه يقتضي نقص الإيمان بتركه[2].

الثانية- ضمير الفصل له ثلاث فوائد: التوكيد، والحصر، والفصل.
ضمير الفصل هو حرف بصيغة ضمير الرفع المنفصل، يقع بين المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين.
ويكون بــ:
1.  ضمير المتكلم كقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا}[3]، وقوله {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[4].
2.  وضمير المخاطب، كقوله تعالى: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم}[5].
3.  وضمير الغائب، كقوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون}.
وله ثلاث فوائد:
الأولى- التوكيد، فإن قولك: "زيدٌ هو أخوك" أوكد من قولك: "زيدٌ أخوك".
الثانية- الحصر، وهو اختصاص ما قبله بما بعده، فإنّ قولك: "المجتهد هو الناجح" يفيد اختصاص المجتهد بالنجاح.
ثالثًا- الفصل، أي التمييز بين كون ما بعده خبرًا ، أو تابعًا، فإن قولك: "زيدٌ الفاضل" يحتمل أن تكون (الفاضل) صفةً لـ(زيد)، والخبر منتظَر، ويحتمل أن تكون (الفاضل) خبرًا، وإذا قلت: "زيد هو الفاضل"، تعين أن تكون (الفاضل) خبرًا، لوجود ضمير الفصل[6].

الثالثة- يجوز أن يُستعمل اللفظ المشترك في جميع معانيه إذا لم يكن بينها تضاد، وكان اللفظ صالحًا لها، كما نحمل العام بالاتفاق على جميع أفراده.
مثال:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}[7].
الأمر في قوله {كلوا} للامتنان والإباحة، ويكون للوجوب إن كان الهلاك أو الضرر بترك الأكل، ويكون للاستحباب إذا كان فيه مصلحة كالسحور، والأكل مع الضيف للإيناس[8].

الرابعة- إن "كان" تأتي أحياناً مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقق اتصاف الموصوف بهذه الصفة؛ ومن ذلك قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا}[9] وقوله تعالى: {وكان الله عزيزًا حكيماً}[10] ، وقوله تعالى: {وكان الله سميعًا بصيرًا}[11]، وما أشبهها؛ هذه ليس المعنى أنه كان فيما مضى؛ بل لا يزال؛ فتكون {كان} هنا مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملةومثله قوله تعالى عن إبليس: {وكان من الكافرين}.
وقد زعم بعض العلماء أن المراد بـ: {كان من الكافرين} في علم الله بناءً على أن{كان} فعل ماضٍ؛ والمضي يدل على شيء سابق.
ولكن التخريج الأول أحسن، وهو الأقرب، لأنه ليس فيه تأويل؛ ويُجرى الكلام على ظاهره[12].





[1] (البقرة: 178)
[2] مستفاد من عدة مواضع من "تفسير سورة البقرة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[3] (طه: الآية 14).
[4] (الصافات:165).
[5]  (المائدة: الآية 117).
[6] "أصول في التفسير" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[7] (البقرة: 172).
[8] مستفاد من "تفسير سورة البقرة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[9] (النساء: 96).
[10] (النساء: 158).
[11] (النساء: 134).
[12] "تفسير القرآن الكريم" سورة البقرة. للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (بتصرف).