مقياس العمل
قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآية (البقرة: 176).
معنى الآية: ليس الخير، أو كثرة الخير، والبركة أن يولي الإنسان وجهَه قبل المشرق والمغرب، أي جهة المشرق أو جهة المغرب.
وهذه الآية نزلت توطئة لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ فبين الله -عزّ وجلّ- أنه ليس البرَّ أن يتوجه الإنسان إلى هذا، أو هذا؛ ليس هذا هو الشأن؛ الشأن إنما هو في الإيمان بالله... إلخ؛ أما الاتجاه فإنه لا يكون خيرًا إلا إذا كان بأمر الله؛ ولا يكون شرًا إلا إذا كان مخالفًا لأمر الله؛ فأيَّ جهة توجهتم إليها بأمر الله فهو البرّ.
على هذا لا نقول: إنّ العبرةَ بالعمل، العبرةُ بنوع العمل، ما هو نوع العمل؟ هل هو طاعة لله أو ليس بطاعة؟
إن كان طاعة فهو برٌّ وخيرٌ، وإلا فليس ببرٍّ ولا خير، ولهذا:
· السجود لغير الله كفر وشرك، وفي وقت من الأوقات حين أمر الله الملائكة بالسجود لآدم صار السجود لغير الله عبادة وتركه كفرًا، فسجد الملائكة لآدم ممتثلين لأمر الله، لا تعظيمًا لآدم كما يُعظّم الله.
· قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر، وفي وقت من الأوقات لما أُمر به إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- صار من أفضل الطاعات.
· قطيعة الرحم من الكبائر، وفي وقت من الأوقات صارت خيرًا، فإنّ قتل الأب لابنه من أكبر القطيعة، ومع ذلك حين أُمر به إبراهيم صار من أفضل القربات.
فالشأن إذًا في طاعة الله عزّ وجلّ، ليس في العمل الذي تفعل، وإنما المقياس هل هو من أمر الله أو ليس من أمر الله؟!
المرجع: "تفسير سورة البقرة" و"شرح الأصول" للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.