من
وسائل الثبات على الحق والهدى : العناية بسير القدوات من عباد الله والصفوة من عباده
تأملًا في سيرهم ونظرًا في أخبارهم وشمائلهم ومناقبهم وخصالهم العظيمة وخلالهم
المباركة ؛ فإن ذلك من أعظم المعونة على الثبات على الحق والهدى، وخاصة سير
النبيين صفوة عباد الله وخيرتهم من خلقه فإن قصصهم فيها عظة وعبرة وفيها معونةٌ
على الثبات والاستقامة على الحق والهدى { وَكُلًّا نَقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] ، فذِكر الله
تبارك وتعالى لقصص النبيين في القرآن الكريم ليس لمجرد معلوماتٍ نعرفها وقصصٍ
وأخبار نقف عليها ، وإنما المراد من ذكر هذه القصص أن يأخذ منها المؤمن العبرة
والفائدة { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى }[يوسف:111] ؛ فقصصهم
عبرة وعظة للمؤمن .
ولهذا
ينبغي على المسلم الحريص على الثبات على الحق والهدى أن تعظم عنايته بقصص النبيين
وأخبار المرسلين ولاسيما أخبار وسيرة خيرهم وصفتهم نبينا محمد صلوات الله وسلامه
وبركاته عليه ، وقد قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب:21] ، وكلما عظمت
عناية العبد بسير وأخبار هؤلاء الصفوة عظمت محبته لهم، وكلما عظمت محبته لهم في
قلبه عظم اتباعه لهم وسيره على منهاجهم؛ فكان بذلك من الخير أقرب.
وانظر
-رعاك الله- عندما توجه كثير من الشباب والشابات إلى قراءة قصص وأخبار أقوامٍ لا
خلاق لهم كيف أن تلك القراءة لقصص هؤلاء جنت على فكر هؤلاء الشباب والشابات ، وكيف
أنها صارت موجبًا لانحرافهم وبُعدهم عن الجادة السوية ؛ وهذا مما يبين لك أن قراءة
السير أيًّا كانت مؤثرة في المرء ولابد . ولا ينبغي أن يقول الشاب مجرد سير وأخبار
أقرأها للتسلية وتمضية الوقت ، فهي في الحقيقة ليست كذلك ليست مجرد تسلية ولا
تمضية للوقت وإنما هي في الحقيقة سلب للإيمان وللفكر والعقل وتلويث للعقول وإمراض
لها ، خاصة من تفننوا في باب القصص في حرف العقول عقول الناشئة والشباب ، وقُل مثل
ذلك في المسلسلات والتمثيليات التي فُتن كثير من الشباب والشابات بها كيف أنها مع
الوقت أثرت على عقولهم وأثرت على إيمانهم وأثرت على أخلاقهم وآدابهم تأثيرًا عظيمًا .
ولهذا
ينبغي أن يكون المرء حازمًا مع نفسه ، وأن لا يجعل مطالعته للسير إلا لسير من في
قراءة سيرهم غنيمة ومطالعة أخبارهم مصلحة وفائدة، من حياة القلوب وتجدد الإيمان
وصلاح المعتقد وقوة التوكل وحُسن العمل ونحو ذلك كما قال القائل :
كرر عليِّ
حديثهم يا حادي فحديثهم يجلو الفؤاد
الصادي
إي
والله، هذا شان حديث وسير وأخبار الصالحين ؛ فلها أثر عظيم جدًا على القلوب . ولهذا
ينبغي على المسلم الناصح لنفسه أن يُعنى بقراءة سير النبيين وأخبار المرسلين وسير
أتباع النبيين ، وخير أتباع النبيين الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم {
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }[آل عمران:110] ، ولهذا قال
الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ }[التوبة:100] ، ولا يكون
المرء متبعًا لهم بإحسان إلا إذا عرفهم ؛ عرف أخبارهم وعرف سيرهم وأحوالهم وجاهد
نفسه على متابعتهم والسير على منهاجهم القويم ، فهذا بابٌ شريفٌ ومهم للغاية .
وأنت
أيها الموفق عندما تقرأ سير النبيين عليهم صلوات الله وسلامه تجد في كل قصة من تلك
القصص ما يعينك في قوة الدين وثباته وزيادة اليقين والتوكل على الله سبحانه وتعالى
؛ فإذا قرأت صبر نوح بالدعوة ومناصحته لقومه وعمله على هدايتهم وأنه لبث فيهم ألف
سنة إلا خمسين عامًا وهو يدعو قومه ليلا ونهارا سرًا وجهارًا في صبرٍ عظيم ومجاهدةٍ
بالغة يكون لهذه القراءة أعظم الأثر عليك . إذا قرأت صبر زكريا عليه السلام على
المصيبة التي ابتلاه الله تبارك وتعالى بها وحُسن التجائه إلى الله واعتصامه به
وتوكله عليه كان لذلك أعظم الأثر عليك . إذا قرأت قصة يوسف عليه السلام وهي مليئة
بالعبر والعظات وتأمل قصته مع امرأة العزيز وكيف أنها راودته عن نفسه وتهيأت له
وهي ذات منصب وجمال وتوافرت في ذلك الموقف مغريات كثيرة جدًا كافي القليل منها
للإطاحة بكثير من الناس في حمأة الرذيلة ، ومع تعدد المغريات وتنوعها قال: {مَعَاذَ
اللَّهِ} ، وقال كما في
تمام القصة {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} . فلما يقرأ مثل هذه القصص وهذه
الأخبار ولاسيما أخبار خاتم النبيين وصفوتهم وخيرهم نبينا محمد عليه الصلاة
والسلام كم لهذا من الأثر ، ولهذا الناس بحاجة إلى قراءة السيرة وقراءة الشمائل
شمائل النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لتكون هذه القراءة مُعينًا لهم
بإذن الله تبارك وتعالى على الثبات على الحق والهدى .
من
محاضرة "وسائل الثبات على الدّين" للدكتور عبد الرزّاق البدر حفظه الله.
رابط
المحاضرة كاملة مع التفريغ